القائمون على السوق هم الذين فوّضهم ولي الامر بالاشراف على الاسواق لتأمين العمل بشكل منتظم، سواء سمي المحتسب كما ورد في الفقه الاسلامي أو وزارة التموين أو وزارة الاقتصاد أو المصرف المركزي أو البورصة أو صندوق الاستثمار أو اللجان المحاسبية الدولية أو غيرها. فحينما هاجر رسول الله الى المدينةالمنورة فإن أول ما أمر به هو بناء المسجد ثم سأل عن السوق فدلّوه على سوق لليهود فأمر بإشادة سوق خاصة بالمسلمين. فكان المسجد والسوق أول ما بناه رسول الله ص في أول دولة اسلامية وفي هذا دلالة واضحة على الاستقلالية الاجتماعية والاقتصادية للمسلمين. لكن السوق بالرغم من كل ذلك يبقى مرتعا خصبا لاصحاب النفوس الضعيفة التي لا تقيم وزنا لمفاهيم الخير ولا للقيم السامية فيغتنمون الفرص للقيام بالغش والتدليس والتلاعب. لذلك ضبط الاسلام أشكال البيوع، وحدد معالم الضعف فيها ووصف لها العلاج المناسب ولفظ الخبيث منها وذلك للمحافظة على سوق سليمة معافاة لا تتأثر بالازمات الضارة بالحياة الاقتصادية العامة. فأحدث وظيفة المحتسب لمراقبة السوق وأحواله ومنع الغش في البيوع ومحاولات التأثير على الاسعار كتلقي الركبان والنجش ومنع البيوع المحرمة كالربا والغرر. ويذكر أن عمر بن الخطاب شاهد في احدى جولاته جابر بن عبد الله وبيده درهم «فقال له: ما هذا؟ فقال: أريد أن أشتري به لأهلي لحما قرموا اليه (أي اشتهوه). فقال عمر: أو كلما اشتهيتم اشتريتم! ما يريد أحدكم ان يطوي بطنه لابن عمه وجاره! أين تذهب عنكم هذه الآية: {أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها} (الاحقاف: ). ويلاحظ عمر قصد مراقبة السوق وضبط الطلب بغية المحافظة على الاسعار، وكأنه سعى الى كبح جماح الغلاء وترشيد الانفاق. وإنما ذكر الآية الكريمة للتحكم بسلوك الفرد المسلم لانه ملتزم بشرعه مراعيا للجماعة. وفيه أيضا محاربة للجشع والاستهلاك الاسرافي كونه ربط الشراء بالشهوة. وهذا ما دعا اليه القرآن الكريم حيث نهى عن الاسراف والتقتير ودعا للقوام بينهما بقول الله عز وجل: { والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما} (الفرقان: ).