بقلم: خالد عباس (الرئيس الشرفي لجمعية القضاة) يتبيّن لكل متابع للشأن القضائي أنه وقع التركيز من خلال عديد البرامج التلفزية والاذاعية علي القضاء والقضاة، تعمّدت من خلالها عديد الشخصيات الحقوقية والسياسية في غياب الرّأي المخالف ثلب وشتم والتهجّم على القضاة بغاية تشويه سمعتهم والحطّ من مكانتهم متجاهلين التعرّض أو ذكر هيئات ومنظمات وإدارات ومؤسسات شهدت فسادا فاحشا وتجاوزات خطيرة طالت البلاد والعباد، وفي هذا السياق وأمام رفض قنوات تلفزية تمكيني من حقّ الردّ وبيان الحقائق وكشف المغالطات أرى أنه من واجبي أن أؤكد للجميع أن القضاة أشرف وأنزه مما يتصوّرون ويروّجون وأن حملتهم لن تؤثر «بحول اللّه» على ثقة المواطنين والمتقاضين فيهم ولن تحول أو تضعف عزمهم على حسن أداء ما أؤتمنوا عليه غايتهم الوحيدة هي إيصال الحقوق الى أصحابها وحمايتهم من كل التجاوزات والمظالم. أما في الوقت الحاضر فقد أضحى موضوع اللجان الثلاثة محلّ نقاش عميق في إطار مجالس وحوارات إعلامية متعدّدة وقضايا ونزاعات مختلفة، وهنا أجد نفسي مجبرا على عدم التعرّض للجنتي تقصّي الحقائق حول الرشوة والفساد وتقصّي الحقائق حول التجاوزات والانتهاكات حتى لا أكون خصما وحكما في نفس الوقت. أما بخصوص الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثور والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي فقد تمنيت أن تبقى الهيئة العليا للاصلاح السياسي مستقلّة عن مجلس حماية الثورة حتى تعمل في أريحية تامة بعيدا عن أي ضغوطات أو إشكالات أو خلافات من شأنها تعطيل مهامها، على أنه يبقى مجلس حماية الثورة الجهاز والهيكل الذي من شأنه أن يضمّ جميع مكوّنات المجتمع المدني والسياسي بكامل تراب الجمهورية (عدا القضاة وجمعيتهم احتراما منّا كقضاة لمبدإ الحياد والاستقلالية) وتكون بذلك الهيئة العليا التي تمارس الرقابة وتقدّم المقترحات وتناقش مشاريع القوانين وتساهم في اتخاذ القرارات. كما يلاحظ أن مشروع قانون المحاماة قد لقي اهتماما كبيرا ومعارضات من عديد الجمعيات والأطراف بما في ذلك السادة القضاة وبهذا الخصوص أنا على يقين تام من أن السادة الرئيس المؤقت للجمهورية والوزير الأول ووزير العدل بصفتهم الأصلية كحقوقيين وبالتحديد كمحامين على بيّنة تامة من أن هذا المشروع في حاجة الى تعديلات هامة من شأنها أن تحافظ على حقوق متكسبة لعديد القطاعات والكفاءات وتساهم في دعم استقلال السلطة القضائية. الموضوع الهام الذي أردت التطرّق إليه هو موضوع نقابة القضاة وهي مسألة كانت ولازالت محلّ نقاشات ومقالات صحفية وغيرها وفي هذا الاطار سبق أن صرّحت بأنه لم يحن الوقت بعد لتكوين نقابة طالما صحّح المكتب التنفيذي مساره ودعا الى جلسة عامة خارقة للعادة بتاريخ 13 مارس 2011 سيحدّد من خلالها موعد عقد مؤتمر استثنائي انتخابي في أقرب الآجال ولكن مع الأسف لم يحصل ذلك ولم تلبّ رغبة عموم القضاة بكيفية يعلمها الجميع وتمادى المكتب التنفيذي الذي وُصف بالشرعي مرّتين الشرعية الأولى مُنحت له من قبل السادة المحامين والشرعية الثانية منحها له السيد محمد الغنوشي الوزير الأول المؤقت في ممارسة نشاطه معتمدا طريقة الاقصاء والاستبداد بالرأي ورفض الرأي المخالف وهو نفس الأسلوب والطريقة التي استعملها سنة 2005 وأدّت الى سحب الثقة منه ومتمسّكا بتركيبة منقوصة وغير قانونية خوفا من إدخال عناصر جديدة بإمكانها قلب الموازين وإعادة توزيع المسؤوليات وهو ما تبيّن بصفة جليّة في المجلس الوطني المنعقد مؤخرا بسوسة يوم 20 مارس 2011 حيث لم يحضر سوى أربعة أعضاء من المكتب التنفيذي وبذلك تكون أعماله باطلة واللائحة التي أصدرها غير قانونية فضلا عن إصداره لقرارات ومواقف ورفعه لشعارات تتّسم بالخطورة وبالانحراف عن مسار الجمعية وأهدافها ولا يمكن إلا أن تؤدي الى الاضرار بهيبة القضاء ومن ثقة المواطنين فيه، وفي هذا السياق من واجبي أن أنصح كافة القضاة بعدم الانسياق والتجاوب مع ما ورد بتلك البلاغات واللوائح احتراما منا جميعا للتشريعات والقوانين الجاري بها العمل بما في ذلك القانون الأساسي لجمعيتنا، وبالتالي فقد أضحت مسألة تكوين نقابة فكرة مبرّرة وقرارا مشروعا استجاب لمطالب عدد كبير من القضاة. وإني لا أخفي على أحد شعوري بحزن وألم شديدين لوجود القضاة مجبرين مكرهين على الانقسام نتيجة قرارات ومواقف غير مسؤولة ولا مشروعة لبعض أعضاء المكتب التنفيذي بعد التفافنا جميعا وتمسّكنا ومساندتنا وخدمتنا لسنين طوال لهيئة واحدة مثلتنا أحسن تمثيل ودافعت عن مصالحنا واستقلال سلطتنا وحقّقت عديد الانجازات الهامة يشهد بها كل صادق أمين. وفي الختام أودّ أن أوجّه نداء عاجل أدعو من خلاله كافّة القضاة بمختلف رتبهم واختصاصاتهم بأن يمارسوا صلاحياتهم بمسؤولية وشجاعة وتتبّع كل من خوّلت له نفسه التعدّي على هيبة القضاء وشرف القضاة وأن يبادروا بتحريك الدعوى العمومية وتوجيه التهم ضدّ كلّ مشبوه فيه مهما علا شأنه وخوّلت له نفسه التعدّي على القانون والأشخاص واتخاذ القرارات اللازمة ضدّه بقصد محاكمته محاكمة عادلة في كنف الوضوح والشفافية. وفي هذا السياق جدير بي أن أؤكد أنه بقدر إيماني بضرورة محاسبة كل من حامت حوله الشّبهات بقدر ما أتمسّك بضرورة تطبيق مبدإ المواجهة وتوفير الضمانات القانونية له حتى تكرّس قرينة البراءة الى حين ثبوت الادانة ونتجنّب بذلك اتخاذ قرارات من شأنها الاضرار بوضعية المشتبه به وربما بأفراد عائلته وحتى يؤدي كل مسؤول خلال هذا الظرف الاستثنائي الصّعب مهامه بصدق ونزاهة وأمانة وعدالة. وخلاصة القول أشدّد على أن القيام بالاصلاحات القانونية والدستورية وتوفير الضمانات الضرورية هي الضامن الأساسي لمنع التجاوزات ودرء الشّبهات وتحقيق العدالة المنشودة.