من بين مفاصل الفساد التي نخرت تونس خلال حقبة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، شركات «الشنقال» التي كانت عائداتها تتوجّه الى عائلات النهب وتجويع الشعب، وقد عملت تلك العائلات المسؤولة عن تفقير وتهميش أبناء هذا الشعب على الدخول في كلّ التفاصيل والمفاصل التي تمسّ حياة المواطن اليومية، اذ افتكّوا الطريق التي يدفع التونسيون ضرائب للسير والتجوال عليها، واقاموا مناطق زرقاء وبكلّ الألوان، كما افتكوا منّا البحر واختاروا أجمل شواطىء تونس التي منعونا من دخولها، وافتكوا أخصب الأراضي وجعلوا أصحابها خدما لديهم، ونهبوا أموالنا ليبحثوا في كل أساليب تجويعنا، ووظفوا أشخاصا لقمعنا في كلّ تفاصيلنا اليومية من استخراج مضمون الولادة الى استخراج شهادة الوفاة مرورا بكلّ مرافق هذه البلاد، شرّدوا عائلات وقتلوا شبانا كانت صدورهم عارية يستقبلون الموت من أجل هذا الوطن ومن أجل أن تكون تونس حرّ منيعة.. هربت رموز تلك العائلات بفضل ملحمة هذا الشعب العظيم، ولك خدّامهم ومن وقفوا على مصالحهم ونفذوا جرائمهم مازالوا جاثمين على صدورنا، غابوا قليلا مباشرة بعد الثورة، وهاهم اليوم يعودون شيئا فشيئا، فالذين كانوا يفرضون اقتطاع التذاكر لدخول بعض الشواطئ والمناطق مثل أميلكار وحلق الوادي عادوا من جديد، ثمّ ها هو «الشنقال» يأتي متسرّبا تحت الرمل، ليصبح أمرا واقعا، لم يرجع «الشنقال» من مداخل يقبلها الناس مثل السعي الى منع تعطيل حركة المرور بل يعود بشروط الطرابلسية بخطايا مرتفعة جدّا لا تقل عن الثلاثين دينارا وبطرق قطع الطريق وبخطاب متجبّر متكبّر كطغاة الأمس، لا يأتي هذا «الشنقال» الطرابلسي على السيارات الفخمة ولا على سيارات الذين يخشى أن يكونوا مسؤولين كبارا، بل يقع كالعقاب على صغار الموظفين والعمال الذين رهنتهم البنوك، يقومون بعمليات رفع بعد فرز بين السيارات، يتمتعون عندما يأخذون سيارة صحفي، نزل لانجاز عمل ينير به الرأي العام، أو يأخذون سيارة طبيب يسرع لانقاذ امرأة بصدد الولادة. انهم يعودون من باب اعادة الفساد ومن باب التفقير، والبلدية تحميهم وتدعمهم وأصبحت تأخذ خراج الطرابلسية، وعوض أن تسارع الى تنظيف الأحياء التي لم تدخلها عربة النظافة منذ 14 جانفي وعوض أن تعمل على توفير فضاءات ينتصب فيها المهمشون الذين يطاردونهم كلّ يوم لقطع أرزاقهم... لم نرها هذه البلدية الاّ عند تهديم منازل الفقراء أو أخذ سيارات المهمشين من الموظفين والعمال.