العلمانية ترمز للحداثة عند الليبراليين وهي طاغوت العصر عند الاسلاميين... وكما لا يخفى على أحد تعني العلمانية بكسر العين وفتحها في أعم مفاهيمها: فصل الدين عن الدولة... وكثيرون يعتبرون أن أولى التنظيرات للعلمانية جاء على لسان المسيح عليه السلام: أعط لقيصر ما لقيصر وما للّه للّه... لكن في الحقيقة لم توجه هذه القولة هذه الوجهة اللاإكليريكية إلا بعد أمد بعيد، ذلك أن الكنيسة أحكمت قبضتها على كامل مفاصل الدولة طيلة قرون كان أثناءها رجال الدين المسيحيون أو الإكليروس يبيعون صكوك الغفران للعباد، فتعالت دعوات من هنا وهناك إلى إدارة أمور العالمين (ومن هنا يقال: «علمانية» بفتح العين) بمعزل عن المرجعيات المتعالية دون نفيها، وهو تيار يدعو بالتالي الى «العلمية» و«الموضوعية» و«التجريبية»، أي إدارة البلاد والعباد وفقا «للامتعالي» و«الممكن» و«الواقعي». (ومن هنا يُقال «علمانية» بكسر العين)، وعندما ظهرت العلمانية كتيار متكامل وقع الاجهاز على سطوة الكنيسة أو ما سمي بالسلطة الروحية لمصلحة السلطة الزمنية (الامبراطور أو الملك..) ولقد عانت أوروبا الويلات من حكم الكنيسة ورجال الدين (الثيوقراطية) وعاشت ما يعرف بالظلمات القروسطية (ظلمات القرون الوسطى)، لذلك كان لبروز التيار العلماني بعض من مبرّراته المنطقية ولو أنها مسوغات ذات منطقية نسبية فقد كان خليقا بالعلمانيين أن يدعوا الى الفصل بين الكنيسة والدولة لتكون دعوتهم عملية جراحية موضعية دقيقة، لكن تلك الصرخات المدوية التي نادت بتفجير الاستبداد الكنسي لم تستثن عمليا الدين برمته من دائرة الاستهداف وحاصرته بكثير من الانفعالية واللامعقولية في شكل يشبه الى حد كبير الاعمال الدموي للمقاصل أثناء الثورة الفرنسية وبعدها... بعدهذه النظرة الخاطفة التي ألقيناها على تاريخ اللائيكية يُقدح السؤال الكبير: هل من مبرّر لوجود العلمانية بين ظهرانينا في العالم الاسلامي؟؟ قد يبدو السؤال مفاجئا لكثير من العلمانيين ومن لف لفهم لكنه وجيه يستمد وجاهته مما تقدم ذكره من تأصيل نظري موجز لظهور العلمانية ليكون التساؤل عن مدى منطقية وجود علمانية في بلاد المسلمين له محل من الاعراب... هل لنا مرجعية كنيسة في الاسلام؟.. هل أضر التداخل بين الدين والدولة في وقت من الأوقات بتوهج الحضارة الاسلامية؟.. قطعا لا.. نحن لم نشهد انحطاطا إلا لما تخلينا عن مبادئ ديننا... صفوة القول، قد يتهمني كثيرون بالرجعية وباعادة انتاج للنزعة الاقصائية التي عُرف بها عهد الرئيس الفار «بن علي» (ولا أعرف لماذا تعجبني كلمة: الفار)، لكل هؤلاء ومن حذا حذوهم أقول: على أساس استبعاد منطق الاقصاء والنفي يجب ألا تقصوني لأني دعوت للاقصاء والنفي. بقلم: صابر النفزاوي (زاوية الجديدي)