من جمعة الغضب الى جمعة الرحيل، الى جمعة الزحف، الى جمعة الخلاص تمضي مسيرة الشعب اليمني نحو التغيير بإصرار لا يقاوم وبطريقة أبهرت العالم. فاليمن الذي ما كان أبدا سعيدا في تاريخه المعاصر يضرب اليوم مثالا في الانضباط وهو ينحت طريقه نحو التغيير وإن فشل في تحقيق ما يبتغي، ففي اليمن 60 مليون قطعة سلاح، وفي اليمن ينشط تنظيم «القاعدة» بقوة، بل لعله الملاذ الأكثر أمانا لهذا التنظيم في الجزيرة العربية والقاعدة الأساسية لعملياته، وفي اليمن جهات انفصالية (ما يُسمى الحراك الجنوبي) تشد البلد الى الوراء وتدفع نحو التقسيم، وفي اليمن أيضا متمرّدون (على السلطة) مقاتلون أشداء يقاتلون تحت رايات سياسية ومذهبية هم الحوثيون الشيعة. وبمعنى آخر فإن دواعي الفتنة متوفرة في هذا البلد ومنبهات الفتنة جاهزة للتحرك مع أنها تعلم مسبقا أنها ستواجه اللعنة وستفتح على البلد بابا، بل أبوابا يصعب اغلاقها. ومع ذلك لم ينزلق اليمنيون حتى الآن الى هذا المنزلق الخطير، فمنذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية قبل أكثر من شهرين وتطورها في كل مرة واتخاذها أشكالا أكثر تنظيما لم نسمع بسقوط قتلى «بنيران صديقة» اي بنيران من يجمعهم هدف واحد هو اسقاط نظام الرئيس علي عبد ا& صالح ويُفرّقهم الانتماء القبلي او المذهبي او السياسي، وهنا تكمن قوة تحرّك الشارع اليمني الذي خاطب رئيسه بكل اللغات واللهجات واختزل مطالبه في شعار «ارحل» وكانت هتافاته خالية من اي خلفيات من شأنها إثارة النعرات. والشعب اليمني بطبيعته القبلية العربية أبدى اصرارا واضحا على المضي في هذا النهج ورفض مرارا أنصاف الحلول التي كان يعرضها صالح وأبدى عنادا يتوافق مع تركيبته الذهنية والنفسية ولكن أظهر أيضا انضباطا يحسده عليه كثيرون. وقديما قيل «سلطان غشوم ولا فتنة تدوم» ولكن يبدو أن اليمنيين مصمّمون اليوم على كسر هذه القاعدة بصيغتها الحتمية، فلا هم راضون عن السلطان ولا هم راغبون في الانجرار الى ما هو أشد من القتل.