لاليغا الاسبانية.. سيناريوهات تتويج ريال مدريد باللقب على حساب برشلونة    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    الاتحاد المنستيري يضمن التأهل إلى المرحلة الختامية من بطولة BAL بعد فوزه على نادي مدينة داكار    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    الأنور المرزوقي ينقل كلمة بودربالة في اجتماع الاتحاد البرلماني العربي .. تنديد بجرائم الاحتلال ودعوة الى تحرّك عربي موحد    اليوم آخر أجل لخلاص معلوم الجولان    الإسناد اليمني لا يتخلّى عن فلسطين ... صاروخ بالستي يشلّ مطار بن غوريون    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    مع الشروق : كتبت لهم في المهد شهادة الأبطال !    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    حجز أجهزة إتصال تستعمل للغش في الإمتحانات بحوزة أجنبي حاول إجتياز الحدود البرية خلسة..    بايرن ميونيخ يتوج ببطولة المانيا بعد تعادل ليفركوزن مع فرايبورغ    متابعة للوضع الجوي لهذه الليلة: أمطار بهذه المناطق..#خبر_عاجل    عاجل/ بعد تداول صور تعرض سجين الى التعذيب: وزارة العدل تكشف وتوضح..    قطع زيارته لترامب.. نقل الرئيس الصربي لمستشفى عسكري    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    الملاسين وسيدي حسين.. إيقاف 3 مطلوبين في قضايا حق عام    إحباط هجوم بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا'المليوني'    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص ببن عروس    الكاف: انطلاق موسم حصاد الأعلاف مطلع الأسبوع القادم وسط توقّعات بتحقيق صابة وفيرة وذات جودة    نقيب الصحفيين : نسعى لوضع آليات جديدة لدعم قطاع الصحافة .. تحدد مشاكل الصحفيين وتقدم الحلول    نهاية عصر البن: قهوة اصطناعية تغزو الأسواق    أهم الأحداث الوطنية في تونس خلال شهر أفريل 2025    الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 2025": فرصة لدعم الشراكة والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والمستدامة    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    مبادرة تشريعية تتعلق بإحداث صندوق رعاية كبار السن    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    إحباط عمليات تهريب بضاعة مجهولة المصدر قيمتها 120 ألف دينار في غار الماء وطبرقة.    تسجيل ثالث حالة وفاة لحادث عقارب    إذاعة المنستير تنعى الإذاعي الراحل البُخاري بن صالح    زلزالان بقوة 5.4 يضربان هذه المنطقة..#خبر_عاجل    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    برنامج مباريات اليوم والنقل التلفزي    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    أريانة: القبض على تلميذين يسرقان الأسلاك النحاسية من مؤسسة تربوية    بطولة فرنسا - باريس يخسر من ستراسبورغ مع استمرار احتفالات تتويجه باللقب    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    بعد هجومه العنيف والمفاجئ على حكومتها وكيله لها اتهامات خطيرة.. قطر ترد بقوة على نتنياهو    ترامب ينشر صورة له وهو يرتدي زي البابا ..    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مخاوف في اليمن من انتقال عدوى شهوة القتل الجماعي إلى البلاد :عبد الكريم سلام

عزّز إعلان تنظيم القاعدة في اليمن، مسؤوليته عن استهداف تجمُّعات للحوثيين الشيعة مؤخرا بسيارتيْن مفخَّختيْن، مخاوف اليمنيين من أن تتحول بلادهم إلى ساحات إفراغ لشهوة القتل الجماعي بدوافع مذهبية وطائفية، على غِرار ما يجري في العراق بين السُنّة والشيعة، يقضي على تعايُشهم المذهبي الذي استمر لقرون.
فلأول مرة، تستهدِف عمليات انتحارية تجمُّعات للسكان، دوافعها الأساسية مذهبِية. العملية الأولى، هجوم انتحاري بسيارة مفخَّخة، استهدف موكِبا للشيعة الزيدية كانوا يتهيَّؤون للإحتفال بيوم الغدير في منطقة الجُوف، أسفر عن مقتل 23 وجرح آخرين، ولحقه اعتداء انتحاري مُماثل، استهدف موكِبا لزعماء قبليِّين كانوا متوجِّهين للمشاركة في تشييع الزعيم الروحي للمتمرِّدين الحوثيين بدر الدّين الحوثي، وأدى إلى مقتل شخص وجرح ثمانية.
وأعلن ما يُسمى "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب واليمن" في بيان له، تنفيذ الهجوميْن متوعِّدا بتنفيذ المزيد ضدّ مَن يُسمّيهم بالروافض، مُردِفا ذلك بأنه شكل وِحدة خاصة لحماية إخوانهم من السُنة وأن أعضاء تلك الوِحدة بصَدد القيام بالمزيد من تلك العمليات.
"مرحلة التسامح المذهبي"
وتُعدّ هاتان العمليتان، الأولى من نوعها والتي يُعلن منفِّذوها صراحة أن دوافعها مذهبية مَحضة في بلدٍ عُرف بتعايُش مذاهبه الثلاثة، المذهب الشافعي سُنّي (حوالي73% من السكان) والشيعي الزيدي (26% من السكان وحوالي 1% شيعة إسماعيلية). فلم تشهد البلاد منذ أمَد طويل قتْلا جماعيا على خلفيات مذهبية أو للدِّفاع عن المذهب، نظرا لضيق نِقاط الخلاف بين المذهبيْن، السُنِّي الشافعي والشيعي الزّيدي، التي تختلف عن بقية المذاهب الشيعية الأخرى، وحتى الأقلية الإسماعيلية، ظلّ أتباعُها يمارسون شعائرهم دون أن يتعرّضوا لأي مضايقات فردية أو جماعية من قِبل أتباع المذهبيْن الآخريْن، رغم التبايُن الكبير بينهم وبين السُنّة الشافعية والشيعة الزيدية في بعض المسائل، بل خلال حُكم الدولة الصليحية الإسماعيلية، التي امتدّت فترة حُكمها من 438 إلى 532 هجرية (1047 - 1138 ميلادية)، انتشرت كل المذاهب إلى درجة أن المؤرِّخين يصِفون تلك الدولة بأنها سيطرت سياسيا ولم تُسيطر مذهبيا، وغالبا ما يذهبون إلى نعْت تلك المرحلة بمرحلة التسامُح المذهبي.
وفيما يخص العلاقة بين المذهبيْن الآخريْن، السُني الشافعي والشيعة الزيدية، فقد غلب عليهما التعايش والقبول المتبادَل، وإن شابهما في بعض المراحل التاريخية صِراعات وتوتُّرات بين الكيانات السياسية التي كانت تمثلها (دول وسلطنات). وتلك الصراعات كانت تحرِّكها وتغذِّيها، إما مطامح التوسُّع أو المخاوف من العدوان. ويرصد المؤرِّخون طُغيان الهَمّ السياسي على المذهبي بين الدويلات المتعاقِبة على البلاد، نتيجة لتعادل موازين القِوى ونتيجة لعدم رفْض الإمامة الزيدية لخلافة الصحابة عمر وأبوبكر وعثمان، على خِلاف الفِرَق الشيعية الأخرى.
فقد كرّست الزيدية مبدأ جواز تقديم المفضل (أبو بكر وعمر وعثمان) على الفاضل (علي)، وهذا لتفسير حسْم الإمام زيد نظريا هذه النقطة الخلافية المركزية بين الشيعة والسُنة، ما جعل مذهبه أقرب المذاهب السُنية، كما يذهب إلى ذلك كثير من رجال الدِّين، وتَكرَّس ذلك التقارب عمليا في الحالة اليمنية، التي عرفت على مَرِّ العصور تعايُشا مذهبِيا، جنَّبها الصِّراع التاريخي، شيعة وسُنة.
صراع اجتماعي لا مذهبي
وإذا ما كان يبرز بين فترة وأخرى صراع بين المُكوِّن الاجتماعي اليمني، فإن باعثه في الغالب الأعَم لم يكن مذهبِيا، نظرا لمحدودية نقاط الاختلاف بين الفريقيْن، التي ظلّت تُغذّي الإنقسام بين شيعة وسُنة، لكن في الحالة اليمنية، غالبا ما كان الصِّراع سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا، ثم يتطوّر إلى استحضار البُعد المذهبي تاليا، نظرا لحسم نقاط الخلاف الرئيسية التي ظلّت تُغذِّي توتُّر العلاقات (سُنّة – شيعة) في الحقل الدِّيني في البلدان الإسلامية التي تُعاني من هذه الإنقسامية الثنائية، والتي وصلت حدّ الفصْل بين دور العِبادة والحوزات والمساجد، فصلا واقعيا ومؤسسيا.
لكن في اليمن، وبسبب حسم النقطة الخلافية تلك، لم يظهر الفصل في دور العبادة وبقيت المساجد التي يتوجّه إليها اليمنيون لأداء شعائرهم، واحدة على مَرّ الزمن. غير أنه في العقود الثلاثة الأخيرة، حدث تحَوُّل ضرب هذا التوازُن في الصميم، بعد دخول الوهابية السلفية إلى اليمن بحجّة أنها تصحيح لتشوُّهات الممارسة الدِّينية، فيما كانت في الأساس تبلور توجّها جديدا ضدّ كل المذاهب، ولقيت في الترويج لدعوتها تشجيعا ودعْما إقليميا من المملكة السعودية.
وداخليا، حظيت برعايةٍ ساعدَت على انتِشار الفكر السَّلفي الوهَّابي، الذي يزعم أصحابه أنه عودة إلى جوهر الإسلام النقِي وتخليص له من كل الانحرافات التي شابَته، وتعمَّقت بذلك خلافاته مع جميع المذاهِب، خصوصا أنها وجدت تجاوُبا داخليا، ليس من أجل تخفيف حدّة السيطرة المذهبية التي كانت تفرضها الفئة المُهيْمنة من الهاشميين على المجتمع، وإنما نتيجة لسَطوة سيْطرة هذه الفئة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا، فالتقت بذلك التطلّعات السعودية لتعميم النموذج الوهّابي مع رغبات داخلية، للتخلُّص من تلك السيْطرة.
شيعة "الإثنى عشرية"
من جهة أخرى، أدى وجود متعهِّدين داخليين متعطِّشين للمال وجمْع الثروة، إلى توسيع قاعدة المشتغِلين على الدِّين، بالطريقة التي تجلُب أكبر قدْر من المنفعة والمردودية المادية والرمزية. وبذلك، فالتحول نحْو الوهَّابية في المجتمع اليمني، لم يُخلّ بالتعايُش المذهبي بين الزيدية والسُنة فحسب، بل أسّس لبوادر صِراع باستنفاره للشيعة الزيديين، الذين أخذوا يفتِّشون لهم عن سَنَد خارجي، للحفاظ على مذهَبهم، يحْدوهم في ذلك خذلان السلطات اليمنية لهم، بتشجيعها انتِشار الوهّابية على حِساب وجودهم التاريخي والثقافي، ولم يكن ذلك السَّند سِوى إيران، التي يبدو أنها داخلة بقوة من خلال تمثل كلّ دلالاتها ورموز تشيُّعِها من قِبل زيدية اليمن، إلى الحدّ الذي دفع البعض إلى تصنيفهم، خاصة في ظل التوتر الشيعي السُني، بقُطبيْه الإيراني والسعودي، على اعتبار أنهم من الشيعة "الإثنى عشريين"، عندما يقومون بتمثل وإحياء كل الطقوس التي لم تكُن ضمن طقوس زيدية اليمن، كالإحتفال بعيد الغدير الذي استهدفه تنظيم القاعدة مؤخرا.
مشروعية الاحتفال!
يثور خلاف بشأن مشروعية الاحتفال بهذه المناسبة. فالمتشدِّدون يروْنَه بِدْعة ضالّة، فيما المنظمات الحقوقية، ترى أنه حقّ من حقوق الطائفة الشيعية يكفله الدستور والقوانين، وهناك مَن يرى أن الاحتفال بهذه المناسبة، لم يكن مألوفا في تاريخ الشيعة الزيدية اليمنية، وأنه وافد جديد يحمِل بصمات تحوّل زيدية اليمن إلى الإثنى عشرية وأن إبراز هذه المناسبة، ليس إلا تأكيدا على رفض شرعية خلافة (أبوبكر وعمر وعثمان) وأنها انتُزِعت من علي بن أبي طالب، وِفقا لما يُقال إنها وصِية النبي محمد (ص) في غدير خم، الذي يحتفلون به في كل ما يُعدّ تنكُّرا للمبدإ الذي كرّسه الإمام زيد.
وفي هذا الإطار، يرصُد المتابع منذ الاتجاه، لإحياء هذه الذكرى عند الشيعة خلال السِت سنوات الأخيرة، ضيقا وتململا لدى العديد من الأوساط الدِّينية والمذهبية، لاسيما من الدلالات والمعاني التي تحاول إبرازها خلال الإحتفالية في هذه المناسبة من ناحية، ومن تكثيف الحشود المسلحة لأتباع الحوثي من ناحية أخرى، وكلها تُعتَبر من وجهة نظر مُخالفيهم، استِفزازا وتضمينا لأحقاد وضغائِن يستدعونها ويستحضرونا للتحريض والتَّعبِئة ضد الآخرين في مظاهر يغلُب عليها استعراض القوة، ما يؤدّي إلى بثّ المخاوف لدى الآخرين.
التجاذب المذهبي
الأمر الآخر، أن الظاهرة الحوثية عرفت في الفترة الأخيرة، وتحديدا منذ توقّف الحرب السادسة، تمدّدا واضحا تعدّى النطاق التقليدي للزيدية في صعدة إلى محافظة الجوف، وتحديدا في بعض المناطق التي كانت تُصنَّف تاريخيا بأنها سُنية أو أنها خلال العقود الثلاثة الأخيرة قد تحوّلت إلى الوهّابية، نتيجة لانتشار السلفية المدعومة من السعودية ومن بعض الأطراف في السلطة اليمنية، ولذلك، فإن إعادة انتشار الزيدية بنُسختها الجديدة الحوثية، وفي ظرفية تشهد استفحال الخلاف الشيعي السُنّي في المنطقة العربية لابدّ أن يصطدم بمنطقة التماس، لاسيما في هذه الظرفية التي يطغى عليها التجاذب المذهبي منذ غزْو العراق وبروز إيران كدولة راعية وداعِمة للتيارات الشيعية، التي استعادت حيويتها وحضورها في كثير من البلدان العربية.
تلك على ما يبدو، خلفية المشهد المذهبي اليمني بمؤثِّراته الخارجية وتفاعلاته الداخلية التي عزّزت مخاوف الكثير من اليمنيين من مُواجهات مذهبية مُحتملة تقوم على القتل الجماعي، ولذلك، يرى المراقبون في استهداف الشيعة من قِبل تنظيم القاعدة في هذه الظروف التي يغلب عليها الصِّراع الطائفي المذهبي، سُنّة شيعة، نذير شُؤْم لبداية حرب طائفية قد ينبري لها المتطرِّفون والمتشددون في كلا المذهبيْن ويخوضونها باسمهما ونيابة عنهما من خلال استنفار كل موروثات الخلافات القديمة واستفزاز كل بواعِث الصِّراع، التي ظلّت شِبه مُنعدِمة أصلا. وتزداد الخِشية من أن تصبح جبهة الصراع المذهبي، ميْدان رِهان سياسي للسياسيين، سواء كانوا في السلطة أو المعارضة أو للمستقلين منهم الذين يصدرون في التعاطي مع كل القضايا من مُنطلقات وحسابات سياسية وأيدلوجية.
خطر القتل الجماعي
لكن مع ذلك، هناك من يقلِّل من المراقبين والمتابعين من خطر القتْل الجماعي، لأسباب مذهبِية مثلما دشَّنته "قاعدة الجهاد في الجزيرة واليمن" ويرون أن القاعدة قامت فقط بمجرّد عمل تحذيري للحوثيين، بعد أن قاموا في شهر نوفمبر الماضي بالقبْض على خمسة من أعضاء التنظيم وسلَّموهم للحكومة اليمنية.
ويذهب أولئك المحلِّلون إلى أن القاعدة، ربما أرادت فقط بإقدامها على الهجوميْن أن تذكِّر السُنة في اليمن بأنهم يخوضون حربا بإسمهم، بعد أن نَسُوهم أو تناسَوْهم في الآونة الأخيرة، وأنهم بذلك أرادوا فقط كسْب تعاطُف بعض المتشدِّدين السُنة وبعض القبائل التي كانت طَرَفا في الحرب ضدّ الإرهاب أو ضدّ الحوثيين والتي تضرّرت من الحروب الستة مع المتمرِّدين.
ولذلك، يرى البعص أنهم بادروا إلى تنفيذ مثل تلك الأعمال، بعد أن زادت النِّقمة والسّخط عليهم وسَط الرأي العام، جرّاء الأعمال الإرهابية التي يقومون بها والتي بدأت تعزِّز قناعات قِطاع واسع من اليمنيين بأنها أعمال تلتقي وتخدِم مصالح بعض الأطراف الخارجية، التي تريد أن تبرِّر تواجُدها في المنطقة بحجَُّة محاربة الإرهاب، فضلا على أنها نفذت في الفترة الأخيرة عمليات قتْل ضدّ ضبّاط وجنود داخل الأسواق العامة، واحتجزت عددا منهم وعذّبتهم بطريقة بَشِعة، ما وسَّع من قاعدة السّخط الاجتماعي عليهم.
وفي هذا الصدد يذهب أصحاب هذا التفسير إلى أن النِّقمة على ممارسات هذه الجماعة تزايدت وسط القبائل المنتشِرة في المناطق التي تتركز فيها مجاميع تنظيم القاعدة، بعد تعرّضها في الأشهر الماضية لضربات جوية وعانت من المواجهات المسلحة بين القوات الحكومية وعناصر القاعدة في محافظات "شبوة وأبين ومأرب"، وقد خلَّفت بعضها أضرارا بالمُمتلكات والأرواح، وأدّى ذلك إلى تشكيل هيئات شعبية لمُطاردة وملاحقة المُشتبه بأنهم أعضاء في الجماعات الإرهابية.
كما دعا زعماء العشائر والقبائل إلى ملاحقة الإرهابيين، وتشكّلت في الآونة الأخيرة ملتقيات قبلِية، قيل إن الحكومة اليمنية والسعودية والولايات المتحدة تقِف وراء إنشائها بُغيَة محاصرة الأنشطة الإرهابية، لما يُسمّى بالقاعدة، على اعتبار أن السكان المحليِّين هُم أدرى بجغرافية مناطقهم وأقدر على ملاحقة قيادات القاعدة، التي يُعتقد أنها تتّخذ من مناطقهم ملاذا ومركزا لإدارة أنشطتهم الإرهابية.
مخاوف قائمة
على خلفية كل ذلك، يربط المحللون بين تلك التطوّرات اللَّصيقة بملف القاعدة وبين العمليتيْن الأخيرتيْن ضدّ الحوثيين، ويرون أنها محاولة لاستِعطاف أتباع المذهب السُني واستنفار الشوكة القبلِية ضد الحوثيين، خاصة لجهة القبائل التي ما زالت تغلي نار النِّقمة والثأر في نفوسها ضد الحوثيين جرّاء ما لحق بهم من قتل ودمار، ولذلك، فإنهم يقلِّلون من اعتبارها "بداية لحرب مذهبية في البلاد"، ويرون فيها مؤشرا على تخبُّط القاعدة وتراجعا لأولويات هذه الجماعة كلَّما ضاق الخِناق عليها، على غِرار ما حصل في العراق، عندما تحوّلوا من محاربة مَن كانوا يُسمّونهم بالغُزاة إلى محاربة بعضهم البعض.
مع ذلك، وبالرغم من التقليل من هذا الخطر، تبقى المخاوف من تدشين حرب طائفية حاضِرة بقوة، خاصة عند النظر إليها من زاوية مصالح بعض الأطراف الداخلية والخارجية المُستفيدة من توسعة رُقعة الحرب المذهبية. فداخليا، لم يعد الحديث عن "ضرب العدُو بالعدُو"، مجرَّد همْس يدور في الخفاء، بل أصبح يُطرَح في بعض المجالس والمُلتقيات علانية، أي أن يترك المتشددون ليتصارعوا فيما بينهم حتى يجنِّبوا السلطة عناء مواجهتهم ويريحوا المجتمع من شرورهم وأعمالهم، حسب ذلك الطرح.
وخارجيا، يُخشى من أن أطرافا خارجية، هي التي تحرّك القاعدة لضرب عصفوريْن بحجر واحدة بالنسبة للسعودية، التي لم تسلم من أذى الفريقيْن وتعزيز علاقاتها بالقبائل بحجة تمكينها من ملاحقة الإرهابيين أو من أجل إبقاء الصراع السُنّي الشيعي في المنطقة مستمِرّا ومتجدِّدا بالنسبة لأمريكا وإسرائيل، اللتان تريا أنهما المستفيدتان من إشعال فِتنة الصراع المذهبي والطائفي في اليمن والمنطقة. وعلى هذا النحو، قرأ البعض في اليمن البيان الصادر عن الحوثيين، الذي اتَّهم فيه كُلا من أمريكا وإسرائيل.
وفي كل الأحوال، ستبقى المخاوف من القتل الجماعي قائمة بعد العمليتيْن الأخيرتين والتهديدات التي أعقبتهما، خاصة إذا ما أدركنا التحوّلات التي طرأت على العلاقة التي حكمت التعايش المذهبي بين السُنة والشيعة في اليمن واستحضرنا احتمالات الحسابات السياسية الداخلية وحجْم التنافس الإقليمي والدولي ، فجميعها تستثير مخاوف اليمنيين من أن تنتقل شهوة القتل الجماعي إلى بلادهم لتَطال الأسواق والمساجد والتجمعات والإحتفالات، لاسيما أنها شهوة مدفوعة بحجّة التفويض الإلهي، التي يرى كل طرف أنه المعبِّر عنها والمختار لتجسيد الإرادة الربّانية، كما يستمدها من مرجعياته ومن منطلقاته الفِكرية والأيديولوجية.
عبد الكريم سلام - صنعاء- swissinfo.ch
06 ديسمبر 2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.