ندرك اليوم الحلقة الثالثة من الملف الذي فتحناه حول أوضاع بعض المؤسسات العمومية على غرار الشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية التي تناولنا بعض جزئياتها في الحلقتين السابقتين اللتين وجدتا التفاعل الكبير والكبير جدا من عديد أطراف هذه المؤسسة وخاصة من الأعوان سواء كانوا بالمستودعات أو سائقي القاطرات أو أعوان المراقبة أو الاداريين ومن مختلف الجهات فضلا عن تأكيدهم جميعا على أن في حوزتهم عديد الوثائق التي تثبت الاخلالات التي عرفتها هذه الشركة على مرّ السنين وأيضا «المظالم» التي سلّطت عليهم وذلك على أكثر من مستوى وواجهة... ولأننا وبقدر ما يهمنا تفاعل قراء «الشروق» فإننا نعود لنؤكد أن الغاية تبقى اعلامية وحضارية لا ديدن لها غير إنارة الرأي العام والحث على تدارك كل تلك الاخلالات ومحاسبة المتسببين باعتبار أن أي تجاوز يخدش من المصلحة العامة وربما يعمّق الجرح أيضا والحال أن اقتصادنا في أشد الحاجة الى الشفافية والدعم والنجاعة خدمة للبلاد والعباد كما أننا في «الشروق» لا نتردّد أيضا في الاشادة بكل عمل ناجح ومفيد وذلك للحث على مزيد العطاء والبذل ومضاعفة الجهود بما يرتقي بمستوى البلاد وخاصة بعد الثورة المجيدة والخالدة. قد تتشابه الأوضاع والظروف والاخلالات لكن أن يصل الأمر الى اتهام من نشر موضوعا على أعمدة الصحف من أعوان المؤسسة والاسراع برفته و«قطع رزق عائلته» فتلك المسألة تثير الحيرة والاستغراب خاصة أن هذا العون الذي نشر موضوعه سنة 2004 مطالبا فيه بفتح تحقيق حول صفقات مشبوهة بالشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية لم تكتف إدارة المؤسسة برفته فقط بل سارعت أيضا برفع قضية جزائية اتهمته فيها بنشر أخبار زائفة وذلك تحت عدد 7035302 قبل استدعائه من طرف النيابة العمومية التي لم تحل المحضر على دائرة مختصة للتحقيق وهو ما دفعه الى مكاتبة الوزير للتدخل غير أن شيئا لم يقع نتيجة لتفشي الفساد في عهد الاستبداد البائد لتبقى القضية والى يومنا هذا متأرجحة بين الشك والتجاهل والحال أن هذا العون تم رفته وذلك تحت اصرار ملح من بعض أطراف الادارة العامة على أن عودته تبقى مستحيلة حتى وإن دفعت الشركة المليارات من أجل عدم التراجع في القرار وهو ما يعني أنه وطالما أنه «رزق البيليك» ولا يدفع أي كان من جيبه فإن كل شيء يهون؟؟!! وهي عيّنة من عديد العينات الأخرى حسب عديد الأطراف في هذه الشركة غير أنه وقبل الرجوع الى هذا الموضوع وبأكثر تفاصيله خاصة أن المحكمة قضت باعتباره مطرودا طردا تعسفيا وكانت القضية شغلية بحكم لفائدته وضد الشركة محددة قيمة مالية معينة فإن القضية الجزائية التي امتدت سنوات من 2004 والى يومنا هذا لم يتم النظر فيها ودون أن يقول القضاء كلمته فيها ودون ردّ الوزير الذي تمت مراسلته في مناسبتين ولا أي طرف من السلطة القضائية ولا غيرها. لماذا تم إلغاء الخط عدد (3)؟ ولأن كشف الحقائق ينال تفاعل الكثيرين فإن أحد الأعوان لم يتردد في التساؤل عن مشروع الخط رقم (3) الذي يربط بين ماطر وباجة والذي قيل أن المليارات تم توظيفها من أجل اعادته الى حركيته ونشاطه والحال أنه تم استعمال السكك الحديدية القديمة والآليات المهترئة من قطع غيار وقطع أخرى لا تضمن السلامة لا للوسائل ولا للبنية التحتية الحديدية ولا للمسافرين والمهم أن «تتحرك الماكينة» ولكن وبحكم «الغش» المعتمد فقد تحركت «الماكينة» وبسرعة خفيفة جدا لا تتجاوز (25 كلم في الساعة) قبل أن يحصل المكروه «المنتظر» ويخرج القطار عن السكة بعد شهرين ونيف فقط من العمل لتعود دار لقمان إلى حالها ويتوقف النشاط في هذا الخط الذي ظل يطالب به المواطنون، ليبقى السؤال هو: لماذا تم اهدار كل تلك الأموال؟ وأين المراقبة والمحاسبة؟ ثم هل بمثل هذه السهولة يتم اتخاذ قرار ثم يتم التراجع فيه؟ ولماذا لم يتم فتح التحقيق والاكتفاء فقط بإلغاء الخط؟ هل تحيّل المزوّد الكندي على الشركة؟ ومن جهة أخرى فقد تمت صفقات مشبوهة على غرار تلك التي حدثت مع المزوّد المجهول الكندي الذي لم يسبق التعامل معه وليس موجودا في بنك المعلومات الخاص بالمزودين بالمؤسسة ومع ذلك تم التعامل معه وعُهد له اصلاح (48) قطعة حساسة كهربائية بالمحركات (Induit) وتم خلاصه بمبلغ ضخم جدا يعدّ بمئات الملايين وبقسطيه الكاملين على الرغم من أن القسط الثاني خاضع لتوفّر أحد شرطين أساسيين وهما: التسلّم بورشات سيدي فتح ا& بجبل الجلود أو مضي (60) يوما من تاريخ الوسق من «الكندا» غير أن أكثر الاطراف الفاعلة في الشركة الحديدية التونسية تغاضت عن التزام المزوّد بالشرطين وتم خلاصه بالكامل قبل أن تصل «الكارثة» التي فاجأت الشركة حين وسق المزوّد لوحدتين (2) فقط من (Induit) وغير تابعتين للشركة من ضمن (48) وحدة التي تأكد وصولها الى الكندا بالحجج والبراهين للاصلاح بمصنع المزود الكندي فضلا عن أن القطعتين كانتا معطبتين وغير خاضعتين للمرجع الفني ولا لنفس السلسلة المطلوبة والمتفق حولها وهو ما تسبّب في الاشكال مع مصالح الديوانة التونسية وذلك سنة 2009 قبل الاضطرار الى تقديم شكوى في الغرض ضد المزود الكندي ترتّبت عنها مصاريف اضافية لأتعاب محام فرنسي تفوق (40) ألف أورو (أي أكثر من (68) ألف دينار بعملتنا التونسية وإبقاء الضمان معلقا بمصالح الديوانة بمبلغ يناهز (100) ألف دينار... وانتظار امكانية تخطئة الشركة من قبل الديوانة لعدم استردادها لتلك السلع هذا فضلا عن تداعيات ذلك وتوقف بعض الأعمال وحتى القاطرات والمحركات المزمع اصلاحها أنذاك بتلك القطع التي «تبخّرت» في الكندا... وهو ما يعني أن خسارة كبرى تكبدتها الشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية يؤكد العارفون أنها تجاوزت المليارين... وهو ما يضخم الاسئلة حول هذه المسألة وماذا لو تم الالتجاء الى الاجراء التعاقدي الذي يمكّن الشركة من مراقبة العمليات الاصلاحية بورشات المزوّد بالكندا... كما هو معمول به وجاري به العمل عادة... أم أن العملية مقصودة خاصة وأن ممثل هذه الشركة بتونس كان قد نبّه ومنذ البداية مسؤولي الشركة على عدم التعامل مع المزود الكندي نتيجة لمعرفة له ولتحيّله... ولكن؟ ثم لماذا المحامي الفرنسي؟ أفليست في تونس كفاءات قانونية قادرة على ذلك من المحامين؟ ثم من سيتحمل المسؤولية؟ أم أن العملية تخضع لمقولة «رزق البيليك».. أم أن الاجراءات كبيرة لتسوية الوضعية؟؟؟ وللموضوع عودة وبقية في حلقة أخرى.