تونس الشروق : اعتبر الدكتور أندريه ستيبانوف، المستشرق والخبير في الشؤون الاستراتيجية بموسكو في حوار مع «الشروق» عبر الهاتف من العاصمة الروسية أن «التحالف» الدولي سيواجه ورطة كبيرة في ليبيا إذا ما أقدم على تسليح الثوار أو القيام بعملية بريّة. الخبير الروسي شدّد في هذا الاطار على ضرورة رحيل العقيد الليبي معمر القذافي لكنه رأى أنه لا بديل عن الحلول السلمية لتسوية الأزمة الليبية مشيرا الى وجود تحركات روسية على هذا المسار... وفي ما يلي هذا الحوار. كيف تنظرون في موسكو الى تدخّل حلف «الأطلسي» في ليبيا... وكيف تحكمون على أدائه؟ موقفي سلبي طبعا... بل هو سلبي على الاطلاق لأن هذا التدخل غيّر كل الموازين الداخلية وزاد في تعقيد الوضع في ليبيا بدل أن يحل المشكل... وفي الواقع أنا لست متعاطفا مع النظام الحاكم في ليبيا ولكن التدخّل الغربي جعل من العقيد القذافي بطلا للأمة العربية والاسلامية وفي حال وفاته سيصبح شهيدا... كما أن التدخل جعل كثيرين في الأمة العربية والاسلامية ينظرون إليه على أنه عدوان خارجي... ومن ناحية ثانية أظن أن العملية العسكرية الغربية في ليبيا ستشجع التيار المتطرّف أو ما يمكن تسميته ب «الارهاب الاسلامي» لأنه يمثل انتهاكا للقانون الدولي ويثير غضب وسخط المسلمين في مختلف دول العالم وعلينا ألا ننسى أن ملايين المسلمين موجودون في الغرب وهذا يعتبر في رأيي بمثابة «قنبلة موقوتة»... لكن هذا التدخل جاء بناء على طلب رسمي من الثوار وبغطاء من الجامعة العربية بهدف حماية المدنيين... فإلى أي مدى نجح «التحالف الدولي» برأيك في تحقيق هذا الهدف؟ أولا أنا أرى أن القوّة المعارضة لهذا التدخل الغربي أصبحت اليوم تنظر الى الثوار على أنهم عملاء مدعومين من الغرب وأنهم ليسوا قوّة وطنية مستقلة تمثل الشعب الليبي في معركته التي يخوضها من أجل التخلّص من نظام القذافي... والأمر الآخر أيضا أن هذا التدخل وبدلا من أن يؤدي الى انقاذ أرواح الابرياء نرى اليوم أنه أدّى على العكس الى سقوط ضحايا آخرين جراء القصف الذي ينفّذه الاطلسي على الأراضي الليبية... كما أنه أفضى أيضا الى تدمير الهيكل الاقتصادي للبلاد وعوض أن يقود الى حل سلمي فإنه يبدو أنه قد يؤدي الى تقسيم ليبيا الى دولتين... وبالتالي فإن ما نراه الى حدّ الآن أن الخطة الأولية التي يقوم بها الأطلسي فشلت في تحقيق أهدافها وحتى في الحد من قوّة العقيد الليبي الذي يتمتع الآن بتأييد الجزء الكبير من الشعب الليبي. إذا كان موقف روسيا رافضا للتدخل الدولي في ليبيا فلماذا اكتفت بالامتناع عن التصويت ولم تستخدم حق «الفيتو» إذن؟ نص القرار الدولي عدد 1973 كان يقضي باستخدام القوات الجوية فقط لحماية المدنيين وتجنب وقوع خسائر بين المدنيين وروسيا لم يكن لديها أي اعتراض بهذا الخصوص ولا يمكنها أن تقف ضد أي محاولة لانقاذ المدنيين... ولكن ما نراه اليوم هو تدخل سافر للقوات الغربية وقصف للمواقع داخل الاراضي الليبية. هل تريد أن تقول ان موسكو تعرّضت للخداع من الدول الغربية في التعاطي مع الأزمة الليبية؟ نعم، ما حدث هو في الحقيقة خداع ليس لروسيا فحسب بل لكل المجتمع الدولي...ولذلك أرى اليوم من الضروري إجراء تحقيقات مع قوات التحالف الدولي حول ما حصل. ماذا عن الموقف الروسي بخصوص تسليح الثوار... أي رأي سيكون لموسكو في ما يتعلق بهذه المسألة؟ ليس ممكنا اليوم أن تشارك روسيا في تسليح الثوار الليبيين... هذا شأن داخلي... والقرار 1973 لمجلس الأمن يمنع أي تزويد لليبيا بالسلاح من الخارج... ومعنى ذلك أن التدخل السافر من طرف قوات التحالف والعمل على تزويد القوات المعارضة للقذافي يشكل انتهاكا للقانون الدولي ويؤدّي الى تعميق الأوضاع ومزيد تفجيرها والى مزيد سفك الدماء بدلا من حقنها. على صعيد حقن الدماء، أعلنت روسيا استعدادها لتقديم مبادرة لوقف النزاع الحاصل في ليبيا... فما هي ملامح هذه المبادرة... وأي دور يمكن لموسكو أن تلعبه في هذا الاتجاه؟ نعم ليس هناك أي مانع بالنسبة الى موسكو للوساطة ولتقديم مبادرة تفضي الى انهاء القتال... واليوم هناك تركيا التي تقوم بدور ناشط جدا في هذا المجال... ويمكن لروسيا أن تساعد في ذلك. هل معنى ذلك أنكم تؤيدون المبادرة التي أطلقتها تركيا في هذا الاتجاه؟ إذا كانت تؤدي الى وقف الدماء وحماية الشعب الليبي فلماذا لا تؤيدها روسيا...روسيا تقف الى جانب أي مبادرة سلمية في ليبيا. في هذه الحالة، ما هي المخارج المتاحة اليوم أمام الغرب في ليبيا... والى أي مدى يمكن ان تجد الحلول السلمية «كلمتها» أمام الخيار العسكري الذي يصرّ عليه «التحالف» برأيك؟ الغرب في تقديري وقع في نفس الفخ للمرّة الثالثة على التوالي وهو اليوم يكرر السيناريو العراقي بدل أن يستخلص الدروس والعبر مما حصل في هذا البلد.... للأسف نرى اليوم أن دولا مثل فرنسا وبريطانيا بذلت كل ما في وسعها من أجل أن تتدخل في ليبيا... الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يسعى اليوم الى كسب الحرب السريعة الناجحة ويريد أن يكون منتصرا في الحرب لانقاذ شعبيته التي وصلت الى أدنى مستوى لها عشية الانتخابات الرئاسية الفرنسية أما في بريطانيا فإنه من الصعب جدا اليوم أن نقول إنها مستقلة في قراراتها بل هي في الواقع مجرّد تابع للولايات المتحدة. وبالتالي فإنني اعتقد أنه إذا لم يطرق الغرب الحلول السلمية فإن ذلك سوف لن يحل المشكل بل على الأرجح سيفاقم الأوضاع وسيورط التحالف في الرمال الليبية... وأظن أن الغرب يدرك ذلك ويعلم أن أي محاولة للتدخل البري ستكون بمثابة عملية انتحارية. إذا كان الوضع بالشكل الذي وصفته فإلى أين تتجه الامور اليوم بعد مرور نحو شهرين على الأزمة الليبية؟ أظن أنه بات لزاما اليوم على العقيد أن يرحل وأن يعمل الطرفان على تشكيل حكومة وحدة وطنية يتم تفويضها لاجراء انتخابات حرة وشفافة لكن دون أن يؤدي ذلك الى معاقبة أي مؤيدين لنظام القذافي أو للمعارضة الليبية لأن مثل هذا الأمر سيؤدي أيضا الى مزيد توتير الأوضاع والعودة بها الى المربّع الأول.