القصبة مرة أخرى... تحرّك احتجاجي جديد ينفذه هذه المرة عمّال النظافة من رأوا في عدم تنفيذ ما جاء في محضر جلسة العمل المنعقدة بمقر الادارة العامة للجماعات المحليّة يوم 15 فيفري المنقضي تملصّا رسميا من تسوية وضعياتهم المهنية. يستمر هذا التحرّك الاحتجاجي منذ السبت الماضي خاصة في بلدية تونس كبرى بلديات العاصمة... ومعه يستمر مشهد التعفّن في مختلف الشوارع... حيث المنعطفات تحوّلت الى أكوام من أكياس الزبالة. في الطريق الى ساحة الحكومة بالقصبة أين يتجمّع المحتجون تعترضك تلك الأكوام المتناثرة في مختلف الشوارع والمنعطفات والساحات... فشارع الحبيب بورقيبة، الشارع الرئيسي بالعاصمة والذي جابت صورته مختلف الشاشات في العالم كرمز لمسرح ثورة لم يتوقعها أحد والذي صرخ فيه الاستاذ عبد الناصر العويني مساء 14 جانفي مرددا «بن علي هرب» الجملة الشهيرة التي ما تزال الصورة الأكثر حياة في كل الشاشات، تمكّنت منه الزبالة... وحتى ساحة باب البحر مدخل المدينة العتيقة والتي ظلّت مقصدا لعدد من السياح الاجانب ووجهة كل قادم جديد لزيارة وطننا غرقت هي الاخرى في الزبالة. الفواضل والأوراق المتناثرة تمكّنت أيضا من أزقّة المدينة وحرّكت ربّما صمت ذاك النهج الطويل المزوّق بالصناعات التقليدية فكسر الحديث حول تراكم الزبالة صمت نهج فقد زوّاره خاصة منهم الأجانب. طرد الصحافة وسط ذاك النهج كان أحد عمّال النظافة يطوي صحيفة يومية بين يديه يتثبت في ما يتم عرضه من عناوين... علّه يعثر على صدى اعتصامهم دون جدوى... متعثرا بسنوات شيخوخته التي قاربت الستين قال إن مطلبهم الرئيسي يتمثل في تسوية وضعياتهم بالانتداب النهائي. تحدّث بكل ودّ ونحن نقاسمه الخطوات في اتجاه ساحة الاعتصام قائلا إنه ينتظر لحظة تسوية وضعيته وإن كان ذلك قبل يوم فقط من تقاعده وهو الذي أمضى أكثر من عشرين عاما في خدمة نظافة شوارع المدينة. «من أنتم؟ إن كنتم صحافة لماذا لا تطرحون مطالبنا؟» كان هذا ردّ أوّل المتفطنين الى وجودنا قرب تجمّع المحتجين... بضعة ثوان وتحلّق حولنا عدد كبير من العمّال المحتجين يطلبون منا عدم التصوير والمغادرة لأننا لم نواكب الاعتصام منذ بدايته على حد قولهم... حدث هذا على مرأى ومسمع الجميع بلهجة حادة جدا كادت تتحوّل الى تعنيف. انتظار السيد ناصر السالمي كاتب عام جامعة البلديين قال ل «الشروق» في اتصال هاتفي إن الاعتصام مشروع بعد التناقض فيما تم الاتفاق عليه وما تم اعلامه... مشيرا الى أن عمال النظافة في مختلف البلديات عادوا الى نشاطهم منذ عشية الثلاثاء باستثناء عمال النظافة ببلدية تونس وذلك بسبب ما صرّح به أحد المسؤولين بالوزارة الاولى للقناة الوطنية الاولى بأن الانتداب النهائي لعمّال الحضائر والمتعاقدين لا يمكنه ان يتم وفقا لقانون الوظيفة العمومية. «هذا التناقض بين ما توصلنا اليه من اتفاق ومن اعداد لمشروع المرسوم المتعلق بتسوية الوضعية وما أدلى به المسؤول كان سببا لتواصل اضراب عمّال بلديّة تونس» على حد قوله. كما قال ل «الشروق» إن بلدية تونس تضم 3500 عامل... مؤكّدا أن مطالب المحتجين تتمثل أساسا في تطبيق ما جاء في محضر الجلسة المذكورة. هذا المحضر حصلت «الشروق» على نسخة منه، مثّل محور المرسوم الذي سيتم عرضه في أول جلسة تنعقد للمجلس الوزاري وما فهمناه من السيد الناصر السالمي أن الاعتصام سيتواصل الى أن ينظر المجلس الوزاري في المرسوم... «بعدها يعود المحتجون الى عملهم وبكل نشاط» حسب قوله... وبالتالي سيتواصل المشهد المتعفّن لشوارع تونس... في وقت حرج جدا خاصة وأن الموسم السياحي على الأبواب.