الأمة التي تمنى ب»نكسة» أو بهزيمة في مرحلة من مراحل تاريخها عليها أن لا تظل أسيرة للهزيمة بل ينبغي أن تنهض وتصنع من هزيمتها نصرا.. هذا تقريبا ما أراد محمد حسنين هيكل أن يقوله (وقد قاله بالفعل) وهو يتحدث عن حال الأمة العربية في هذا الظرف العصيب الذي تمرّ به.. الكاتب والصحفي المصري تحدث أيضا في حلقة جديدة من سلسلة الحلقات التي تبثها قناة «الجزيرة» الفضائية مساء كل خميس عن قضايا أخرى تشغل العالم العربي في اللحظة الراهنة مثل قضية الاصلاح داعيا العرب الى التعجيل بالاصلاح لتفادي مشاريع أمريكية «مضرّة». ولم يشأ هيكل أن يذهب مباشرة الى لبّ الموضوع بل مهّد له بالحديث عن مصر كمثال لما يواجه العالم العربي من تعثر في التنمية مع ما تملكه من موارد هائلة في وقت تخطو فيه دول ذات كتل بشرية ضخمة كالهند والصين، خطوات كبيرة باتجاه أن تصبح قوى عالمية. وشدّد هيكل في هذا الباب على أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال التذرّع بزيادة السكان أو نقص الموارد لتبرير الفشل في تحقيق القدر اللازم من التنمية الذي يحقق بدوره مستوى معيشيا مقبولا بالنسبة الى الشعوب، ملاحظا أن على أنظمة الحكم في كل الدول أن تعمل على تحقيق تطلعات شعوبها لأنها سعت الى الحكم وقبلت بأن تعمل على أساس ما هو متوفر وموجود.. لا لثقافة الهزيمة وبعد أن أبدى حيرته أمام تعثر جهود التنمية في مصر على الرغم من التدفقات المالية الضخمة (هبات ومساعدات وقروض..) التي وردت الى مصر في ال30 عاما الماضية (حوالي 150 مليار دولار في المجموع)، انخرط هيكل في الحديث عن ثقافة الهزيمة التي رأى أنها لا تزال تهيمن على الأمة العربية. وبدأ بمصر قائلا أنه يعتقد أن هذا البلد لا يزال أسيرا لعقدة الهزيمة (أي هزيمة 1967) ومضيفا أن هناك في العالم العربي تكريسا لثقافة الهزيمة. وقال أيضا أنه مسؤول شخصيا عن استعمال كلمة «نكسة» بينما كان جمال عبد الناصر يريد أن يستعمل كلمة «هزيمة». وبالنسبة الى هيكل فإن ما حدث عام 1967 ليس الهزيمة المطلقة مادامت هناك مقاومة على الجبهات يقوم بها مئات الآلاف من الرجال المستعدين للتضحية بأنفسهم. وأوضح أنه يختلف مع وصف «الهزيمة» لكن ما يعترض عليه (أي هيكل) هو ثقافة الهزيمة مؤكدا في هذا السياق أن أمة العرب ليست أول أمة تواجه صدمة عسكرية مثل صدمة 1967. لكنه يؤكد في المقابل أن هذه الأمة هي أول أمة تنجح معها ثقافة تكريس الهزيمة مستشهدا بأمثلة ألمانيا وفرنسا واليابان وبولونيا التي تعرّضت للهزيمة لكنها لم تستسلم للهزيمة ولم تجعل منها قدرا ملازما لها.. وأشار الى أن دور المثقف الحقيقي يكمن في مقاومة ثقافة الهزيمة مشدّدا على أنه لا يمكن لهذه الأمة أن تتجاوز محنتها الى أجواء الحرية والديمقراطية والرخاء والاستقلال طالما بقيت أسيرة لثقافة الهزيمة. وبعد أن اعتبر نصر أكتوبر 1973 بمثابة تصحيح للموقف، أكد محمد حسنين هيكل مرة أخرى أن الشعوب إذا ظلت أسيرة لحظة الهزيمة لا يمكن أن تصنع مستقبلا. مشروع التفكيك وشدّد هيكل على أن المشرو ع الأمريكي المطروح على المنطقة جاء في البداية لتكريس ثقافة الهزيمة وإغراق الأمة في انكساراتها لكي تبقى هذه الأمة التي صنعت انتصار 6 أكتوبر أسيرة الهزيمة. ورأى أن هذا المشروع الذي جاء تحت شعار التغيير انما جاء لاعادة هندسة المنطقة وتفكيكها ثم اعادة ترتيبها وفقا للمقاييس الأمريكية وبالمواصفات التي تريدها واشنطن. وأكد المفكر والاعلامي المصري أن اصلاح الشأن العربي أصبح مطروحا بشدة ولكن المطلوب في هذا السياق أن يكون الاصلاح أو التغيير ايجابيا بما يعني أن لا يؤدي الى صدام بين القوى الوطنية في الأمة في هذه المرحلة العصيبة من تاريخها. وحذر هيكل من أن أي تغيير يقود الى صدام القوى الوطنية تحت مسمى الاصلاح يعني اغراق الأمة في الفوضى. وعرض هيكل الى ما هو مطروح من مشاريع اصلاح على الأمة العربية، ومنها: مشروع تقوم به النظم القائمة وهي اجتهادات ومجهودات للتوصل الى برنامج اصلاح. وثاني هذه المشاريع مشروع اصلاح اسلامي ولكن على التيار الاسلامي ان لا يخلط بين الاسلام كدين والسياسة كمجال جدال وتجاذبات فيسيء للدين. كما نبّه هيكل الى ضرورة أن يفهم هذا التيار الدين كدين والدين كملهم لفعل سياسي. أما المشروع الآخر فهو المشروع الأوروبي وقد أرادته أوروبا ليس حبا في العرب وإنما انقاذا لمصالحها. وأوضح هيكل في هذا السياق أن الأوروبيين تحدثوا في مؤتمر الاسكندرية عن ضرورة أن يعجّل العرب بالاصلاحات والمبادرة بتقديم برنامج واضح لأنه في حال انعدم مشروع اصلاح عربي أو أوروبي في المنطقة فإن الامريكان قادمون بمشروع مضرّ بالعرب وبالأوروبيين أيضا.