في ذكرى حرب 05 جوان 1967 في الهزيمة والمقاومة بقلم : عبد السلام بوعائشة انهزمت دولة جمال عبد الناصر في حرب 05 جوان 1967 شر هزيمة حيث ضربت قواتها ومطاراتها واحتلت أراضيها في سيناء دونما قتال أو فرصة للمواجهة وتحمل قائدها المسؤولية كاملة وخاطب الشعب معلنا استقالته من جميع المسؤوليات الرسمية. لم ينكر احد من أحفاد وأبناء وتلاميذ عبد الناصر هذه الحقيقة كما لم ينكرها الشعب العربي في مصر وفي الوطن العربي الذي خرج يومي 8 و9 جوان1967 وعلى غير منطق التاريخ الذي لا يرحم المهزومين معلنا رفضه للهزيمة ورفضه لاستقالة جمال عبد الناصر رئيس الدولة المهزومة . لم تمض على الهزيمة العسكرية أسابيع حتى انطلقت حرب الاستنزاف وإعادة بناء الجيش استعدادا لحرب التحرير الشامل ورفعت القيادة السياسية شعار ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة وتضامن معها العرب في قمة الخرطوم لجامعة الدول العربية برفع شعار لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض . كل هذا معلوم وموثق في كتب التاريخ المعاصر ويعرفه القاصي والداني وكذلك يعرف ان حرب أكتوبر 1973 التي سجلت أول نصر عربي ضد الصهاينة بدا الإعداد لها من قلب هزيمة 1967 وان خططها وبرامج التسلح الواجبة لخوضها وإعداد الجيش و الشعب لتحمل أعبائها قد اشرف عليها الرئيس عبد الناصر واستشهد وهو يخوض كل معاركها السياسية والدبلوماسية عن كفاءة واقتدار جعلت منه في مفارقة تاريخية عجيبة أول قائد مهزوم يرفع على الأعناق ويكسب حبا جماهيريا منقطع النظير وتخرج في توديعه يوم وفاته أعظم الحشود التي لم يسبق لقائد قبله ان حضي بتوديعها. لماذا هذا التعلق بقائد مهزوم ولماذا يصر القوميون والناصريون والوحدويون العرب وحتى الكثير من الإقليميين على التمسك بمشروع عبد الناصر والدفاع عن سياساته وخياراته الاقتصادية والاجتماعية ولماذا تستحضره امتنا اليوم في زمن الجدب والاحتباس القومي؟ الجواب الذي لا نرى جوابا غيره هو أن عبد الناصر لم يكن مجرد رئيس لدولة مصر بل كان فوق ذلك معبرا عن إرادة الأمة العربية في المقاومة والتحرير والوحدة لأنه وبصفته الأولى كان قد أعلن هزيمته واستقال من منصبه وتحققت بذلك أولى أهداف الحرب والعدوان على مصر أما بصفته الثانية كزعيم ومعبر عن إرادة الأمة العربية جمعاء فانه استجاب لصوت الشعب الناهض من قلب الهزيمة والمصمم على المقاومة والقتال وقبل بالعدول عن الاستقالة والعودة إلى قيادة الدور الذي كان يلعبه ولكن ليس مجرد رئيس لدولة إقليمية بل كزعيم للأمة ككل . عبد الناصر المهزوم والمستقيل كان رئيس دولة مصر ومعبرا عن حدود القوة الإقليمية مهما تعاظمت أما عبد الناصر العائد محمولا على إرادة الشعب فهو القائد والزعيم القومي الذي يرفض الهزيمة والاستسلام . لقد ولد عبد الناصر من جديد في حرب 1967 ولادة انتقلت به من رئيس لثورة فجرها و قادها الجيش إلى زعيم لمشروع امة ترفض الهزيمة والاستسلام انتشلت قائدها من قاع هزيمة الإقليمية ووضعته في صدارة الفعل المقاوم . جماهير الأمة أدركت بحسها العفوي هدف العدوان وأبعاده الاستراتيجية فتمسكت بقيادتها المهزومة ورفضت الاستسلام للوقائع وأعادت ترتيب أوضاعها استعدادا للمقاومة والتحرير غير أن بعض النخب السياسية والفكرية العربية عجزت عن فهم ما حدث واعتبرت هزيمة مصر تحت قيادة عبد الناصر هي هزيمة للفكر القومي ومشروعه السياسي في التحرير والوحدة والاشتراكية وانكفأت أقلام الكثيرين في الصحف والمجلات والكتب تعلن موت القومية العربية وتنخرط في الهجوم عليها وعلى قائدها إحياء للنزعة الإقليمية والطائفية تحت شعارات الديمقراطية الليبرالية والبدائل الدينية والشيوعية المدعومة آنذاك عربيا ودوليا. تلك الفترة وما لحقها شهدت صعودا ملحوظا لمدارس الفكر الماركسي والاخواني وتعمق الولاء الإقليمي لدى حكومات الدول العربية و دخلت الأمة عصر الحلول الأمريكية وتدويل القضايا بمباركة إقليمية عربية لعب فيها النظام المصري دورا رياديا خصوصا وقد استثمر أروع انتصار عسكري في أكتوبر 1973 لتمرير أبشع خيار سياسي بتوقيع معاهدة كامب دافيد الخيانية سنة 1979 وأخرج مصر الرسمية من جبهة المقاومة والتحرير ليلحقها بجبهة العدوان والتطبيع. بعد مرور 43 سنة على هزيمة جوان 1967 و أربعين سنة على رحيل القائد والزعيم جمال عبد الناصر تتأكد خطورة وخطأ كل التحليلات التي نسبت الهزيمة للمشروع القومي وللفكر التقدمي الذي استقام عليه ويلخصه شعار الحرية والاشتراكية والوحدة مهما كان ترتيب عناصره وأثبتت التجارب ولو من باب المأساة انه وفي ظل غياب حركة مقاومة ذات مرجعية قومية ثابتة وأصيلة تقطع مع الفكر والولاء الإقليميين وتتحرر من الارتهان لأوهام الحلول الدولية العادلة ومشاريع التعبئة الطائفية والأممية المشوهة لم يتحقق في واقع الأمة سوى مزيد التفتيت والتفكيك لقواها وعناصر وحدتها وصرنا نتالم للعيش تحت شظايا التقسيم الطائفي والعرقي والجهوي ونرزح تحت خيارات التبعية الاقتصادية لنظام السوق الرأسمالي العالمي ونشهد يوميا نزيفا حضاريا ولغويا وأخلاقيا تراجعت معه روح المقاومة والعزة والكرامة في نفوس الأجيال العربية الراهنة رغم صخب الإعلام الرسمي العربي وأبواق دعايته المضللة. في ذكرى هزيمة 05 جوان 1967 من حقنا ومن حق الشعوب العربية وقواها الوحدوية الناصرية أن ترفع الصوت عاليا معلنة أنها وإن كانت قد هزمت في المعركة إلا أنها لم تستسلم بل نهضت للمقاومة على ذات الخط والمشروع وتمسكت بثوابتها التاريخية والفكرية والسياسية ودفعت وما تزال تدفع مع أمتها الثمن في كل الأقطار العربية وتقدم الدروس ولو من باب الهزائم المتكررة على أن النضال على غير الطريق القومي والتضحيات على غير منهجه بقدر ما هي مطلوبة وضرورية للتعبير عن حياة الأمة و وجودها المهدد إلا أنها لا ترتقي إلى مستوى متطلبات الانتصار الاستراتيجي على المخطط الصهيوني والاستعماري . إن عودة صور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر إلى واجهات المقاومة و منابر العمل السياسي والإعلامي والحضور المتزايد لفكره وشعارات ثورته وأهداف نضاله بالتزامن مع تراجع المشاريع القطرية وتداعي أطروحاتها على اختلاف مشاربها الإيديولوجية لدليل من الواقع على حاجة الأمة الماسة لنهوض قومي جديد يخرجها من محنة السقوط الرسمي المريع وتجاذب القوى الدولية والإقليمية الزاحفة والمتربصة ويصحح مسارات الفعل المقاوم بعيدا عن النكوص المذهبي والطائفي . هذه العودة هي دعوة لكل الوحدويين العرب حتى يرتقوا إلى مستوى تحديات المرحلة الصعبة التي لن تكون معاركها القادمة في ما نعتقد سوى مناسبة أخيرة لعودة الأمة العربية إلى التاريخ أو خروجا لها من دائرة صناعته وما هذا الترقب والهدوء على جميع جبهات الصراع في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وهذا الانحباس السياسي في باقي الأقطار سوى مقدمة لذلك.