في أيّ خانة نصنّف أعداء الثورة ؟ تراكم «التنظير» وأصبح لا يخلو مجلس دون أن يكون مسيطرا وخاصة على المستوى السياسي الذي أصبح كل شخص يفقه في مجالاته ويعتقد أنه يدرك ثناياه ويتصور أن كلامه يقينا ولا يمتلك غيره الحقيقة حتى وإن كان عديد الأشخاص لا يعرفون حتى معنى السياسة ولا من أي فعل مشتقة.. فقط يتكلم و«ينظّر» ويسبّ حينا ويتحامل حينا آخر ويجامل أحيانا ولكن هل أدرك كل هؤلاء «المنظّرين» أن الذي يغيّر الحقائق يصبح شاهد زور ومن يرى وطنه يتألم ويحدق به الفقر وتنتشر في أنهج وشوارع عاصمته ومدنه وحتى قراه الأوساخ والفضلات وتهدّده الأوبئة وتنهب في وضح النهار المغازات والمؤسسات والأشخاص وتكثر الجرائم و«البراكاجات» وعمليات «الحرقان» ويتم الاعتداء على الموظفين في مكاتبهم وعلى الأخلاق الحميدة في كل مكان وهؤلاء «المنظّرون» صامتون وهم لا يعلمون أن كل تلك الظواهر التي بدأت تتفشّى تعتبر خطيرة ولا تنصهر بالمرة في مبادئ الثورة ولا في أهدافها.. وبالتالي فإن الذي يريد مثل كلّ هذا لوطنه ويعمق جرحه أكثر دون وعي أو عن وعي يصبح مصنّفا في خانة أعداء الثورة التي من المفروض أن تكون قد اندلعت ضد الفساد والاستبداد والاضطهاد بكل أشكاله وضد الأوساخ والانحرافات والأمراض الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والصحية أيضا وضد الفقر والتجويع والتهميش والتمييع والتركيع. من المتسبّب في انتشار الفضلات ؟ ومادمنا أشرنا الى الأوساخ المنتشرة والفضلات المهدّدة للصحة لا بدّ لنا أن نذكر الناس أيضا بأعوان النظافة الذين ظلوا يطهرون المدينة من كل تلك الأوساخ والفضلات دون وسائل وقاية ودون احترام ولا جرايات تفي بالحاجة ولا حتى فحوصات مستمرة والحال أنهم ينظفون لتلتصق بهم «الأوساخ» ويطهرون لتهدّدهم الأمراض ولا أحد سأل عن ظروفهم ولا أوضاعهم ولا أي شيء وحين أضربوا كادوا يتعرّضون الى «الضرب» دون أن تتمّ مفاوضتهم ولا تحسين ظروفهم ومن جهة أخرى فإن عديد المدن والقرى تعيش أكداس الفضلات والأوساخ في لا مبالاة البلديات وفي التعليل بغياب الآليات والوسائل وأيضا في تسجيل العدد الكبير للعاملين في الحظائر واعتماد العدد الصغير جدا.. جدا لنهب جرايات المغيبين دون أن يلتفت الى تلك المدن والقرى أي كان بما في ذلك الولاة الذين كانوا مورطين ولا يزركشون ولا ينظفون إلا مراكز مدن الولايات وكلما احتجّ أحد المواطنين إلا واعتبروه في خانة المناوئين قبل أن يتواصل نزيف الأوساخ حتى بعد الثورة.. ولكن.. ماذا بين قطاعي الأمن والقضاء ؟ صرّح أحدهم وهو عون أمن عبر شاشة الوطنية الأولى ما مفاده أنه وكلما تمّ إلقاء القبض على سارق أو منحرف أو ما شابه ذلك (وكلهم في خانة واحدة) وتكون التهمة ثابتة ولا غبار عليها إلا وتمّ تسريحه من قبل «القضاء» ليجد هذا العون نفسه مهدّدا بحرق منزله أو اختطاف صغاره وبالتالي فإنه يحتجْ على القضاء الذي لا يعرف لماذا يمارس مثل تلك الممارسة.. وهذا يعني أن إشكالا واضحا بين قطاعي الأمن والقضاء وبالتالي فإن المسألة خطيرة.. وخطيرة جدا إذا لم يتم البحث عن حلول ناجعة دون المسّ من هيبة الأمن ولا من استقلالية القضاء. مصحّة كاملة في قصر الرئيس الفارّ... لماذا ؟ كل مستشفيات ومستوصفات المناطق الداخلية والغربية منها خاصة تشكو النقص واللامبالاة وحتى الحرمان من أسوإ التجهيزات والأدوية فضلا عن الأطباء وخاصة منهم المختصين.. قبل أن نكتشف حقيقة اعتماد الرئيس الفار والجبان على مصحة كاملة وبكل جزئيات تجهيزاتها المختصة والراقية والدقيقة جدا في قصره الخاص بسيدي الظريف لتتجلى حقيقة أخرى تؤكد أن آخر اهتماماته كان هو الشعب ومستقبل وحتى حاضر تونس خاصة بعد اختلاساته المتضخمة للمال العمومي ولثروات البلاد وتدعيم أصهاره والمقربين منه لاستغلال النفوذ والعبث بكل مصالح تونس قبل أن تتضح أيضا حقيقة توفر الخمور وراء المكتبة الكبيرة أو التي كنا نعتقد أنها كذلك وتوفر أيضا «الزطلة» وربما أشياء أخرى تصبّ أيضا في حقيقة فساده وخرقه لكل المواثيق الأخلاقية والوطنية والسياسية وحتى لسيادة وهيبة الدولة.. ومع ذلك كان يصرّح في آخر خطابه بأنهم «غلّطوه»..؟! مبارك أيضا «غلّطوه»..!؟ حسني مبارك المخلوع صرّح هو أيضا أمام التحقيق أنهم «غلّطوه» وكأنه لا وجود في القاموس السياسي العربي خلال الفترات الأخيرة إلا هذه الكلمة التي لا تأتي إلا بعد العبث بالشعب ونهبه واغتيال بعضه والزجّ بالبعض الآخر في السجون المغلقة والمفتوحة والكبرى والصغرى.