تحدث الكاتب البريطاني روبرت فيسك عن بدايات الثورات العربية وقال إن الثورة لا تبدأ بحادث منفرد مثير كتدمير كنيسة أو حرق انسان ما نفسه، بل هي تراكم أسباب تؤدي في النهاية بالشعب الى التحرك. وقال فيسك في مقال بصحيفة «انديبندنت» البريطانية أمس ان الانتفاضة ضد بشار الأسد في درعا بدأت عندما رسم بعض الشبان على الجدران شعارات مضادة للأسد، ومارست الأجهزة الأمنية السورية أساليبها المعتادة من سحب الشبان الى مراكز الشرطة وضربهم وتعذيبهم وعندما جاءت أمهاتهم للمطالبة باطلاق سراح أبنائهم لم يجدن من الشرطة سوى الشتائم. وروى فيسك كيف أن مجموعة من شيوخ القبائل ذهبت لمقابلة محافظ درعا لطلب تفسير سلوك الشرطة وقد وضع كل عمامته على مكتب المحافظ وهي لفتة تقليدية للتفاوض ولكن المحافظ، وهو بعثي قديم موال للنظام أخذ عمامة أكثر الشيوخ احتراما ورمى بها على الأرض. وأضاف فيسك أنه بعد هذه الحادثة جاء الناس الى درعا بالآلاف للاحتجاج وبدأ اطلاق النار ليعزل الأسد محافظ درعا ولكن في وقت متأخر فقد بدأ الحريق. واعتبر فيسك أنها سلسلة من الأسباب تتجمع وتنفجر في مناسبات محددة، ففي تونس كان شاب عاطلا عن العمل هو من أحرق نفسه وفي سوريا كان رمي العمامة هو السبب. وأوضح فيسك أن أسوأ ما يجمع المستبدين هو أنهم يصرفون وقتا طويلا لجمع المعلومات عن شعوبهم والتجسس على الأجانب. ويتحدث عن إيريك رولو الذي كان مراسل صحيفة لوموند الفرنسية في طهران ثم أصبح سفيرا لبلاده في تونس، حيث روى له أن الجنرال زين العابدين بن علي الذي كان وزير داخلية تونس بين عامي 1985 و1986، ظل يتمنى الحصول على أحد تجهيزات الاتصال من فرنسا، وكان رولو يصفه ب«الشرطي الخارق الذي لا يرحم» فهو تلقى تعليمه الأمني في أمريكا وكانت لديه ملفات عن كل شخص. وفي أحد اجتماعاته مع رولو، لخص بن علي أكبر الأخطار التي تهدد النظام التونسي وهي: الاضطرابات الاجتماعية، والتوتر مع العقيد القذافي في ليبيا، والأخطر من كل ذلك كان «التهديد الإسلامي». وروى رولو كيف أن بن علي وبحركة مسرحية ضغط على زر آلة، وفي لحظة أخرجت قائمة لا تكاد تنتهي من أسماء قال إنهم تحت المراقبة الدائمة. وفي يوم مغادرته النهائية تونس ذهب رولو في زيارة مجاملة له، فقال له بن علي بغضب لم يستطع إخفاءه: لماذا تعتبرني وكيل المخابرات المركزية الأمريكية الذي يملك طموحا غير محدود؟ وبدأ يسرد له كل ملفاته، كلمة كلمة تقريبا، من البرقيات السرية الخاصة إلى كي دورسي (مقر الخارجية الفرنسية). حتى السفير الفرنسي لم ينج من تجسس بن علي. وقال فيسك إن بن علي الذي استطاع اختراق السفارة الفرنسية، لم يستطع وهو رئيس أن يستعلم عن أحوال شعبه ويفهمها، فهناك صورة لا تنسى له وهو يزور محمد البوعزيزي على سرير الموت في المستشفى قبيل أيام من سقوطه. «بن علي استطاع اختراق السفارة الفرنسية، لكنه لم يستطع فهم أحوال شعبه» فقد حاول بن علي الظهور بإبداء الاهتمام، لكن البوعزيزي كان عاجزا عن التواصل، وكان الأطباء والممرضون يحدقون في الرئيس أكثر مما كانوا ينظرون إلى مريضهم، كانت نظرات لم يفهمها بن علي لكن النار الصغيرة تتسبب في الحرائق الكبيرة حسب تعبير فيسك.