السيدة مها دبّش مربية برتبة مبدعة آمنت أن العملية التربوية تتجاوز بيداغوجية المواد لتنصهر في رؤية ثقافية تتخذ من المعرفة روافد ومن الإبداع أجنحة تعمّق العلاقة بين أقطاب التعلّم: المعلّم، التلميذ والمعرفة وتكسبهم آفاقا تضمن تفاعلهم. آثرت هذه المربية وهي أصيلةسيدي بوزيد ان تتجاوز الدور السلبي للمربي المنفعل لتكون المربية المتفاعلة والفاعلة وتمكنت في ظرف وجيز من انتاج مجموعة شعرية أولى تحت عنوان «شذى العمر» ومسرحية تعليمية فريدة من نوعها بعنوان «رحلتي العلمية عبر الجسم» تستنطق فيها أعضاء الجسم ومختلف مكوناته ضمن شخصيات اعتمدت توظيفا ذكيا وطريفا لمختلف دروس الايقاظ العلمي لمستوى السادسة من التعليم الابتدائي مما ييسّر استيعاب دروس هذه المادة العلمية وبغرس الرغبة التي تكاد تكون مفقودة لدى التلميذ في الاقبال على التعلم بمنطق الإفادة ولا «التجارة» والتي تعدم فيها العملية المعرفية بمجرد اجتياز الامتحان، وتعتبر هذه المسرحية محاولة جدية لإعادة تأسيس المسرح المدرسي «كوسيلة علاجية وابداعية» على حد تعبير هذه المربية المبدعة واخراج العملية التربوية مما قد تطبع به من روتينية واجترار وصيغ كلاسيكية تعرقل استجابتها الى واقع الطفل المعاصر. ثورة مرأة أصدرت هذه المبدعة مؤخرا مجموعتها الشعرية الثانية بعنوان «يحترق الفرح في المرآة» تضمّنت عشرين قصيدا وتحلى غلافها بلوحة زيتية من ابداع الفنانة التشكيلية نورة بالحاج، وتمثل هذه المجموعة الشعرية كما قدمها الدكتور محمد العربي الجلاصي «تجربة ابداعية تقوم على رؤية متفائلة عميقة للحياة وتبني امكانات للإقامة الشاعرية في العالم، ففيها أبنية شكلية وايقاعية متنوعة وقضايا ذاتية وحضارية مختلفة وللصور في هذه التجربة اليافعة طعم آخر فالأشياء تولد على نحو عفوي في العبارة الشعرية». «وجه أمّي عطر الأمنيات وبعدك تتيبّس الضحكة وتحترق جميع الأوراق». «أبي كنت فلذة كبدي وكان موتك تلفا لكبدي أبي لقد ذقت حب الوالد للولد وحبّك كان أعظم وأرفع» هكذا تغنّت الشاعرة بأبويها في قصيدتين اختارت أن تفتتح بهما مجموعتها تلتها قصائد لم تخرج عن عمق الوجدانيات حيث امتزجت فيها الصور الشعرية بين شخصنة الطبيعة وطبيعة الشخص مثلما عبّر عنه مطلع قصيد «حنين»: هذا الطقس الندي يشبهك هذه الريح الطرية تمزجك هذا الوقت الجميل يحنّ اليك ما أحلى مزج روحي بك وما أحلى ان تكون روحي عندك»، ولم يقف تغني الشاعرة بالرجل والمرأة والطفل بل تجاوزه ليكون احتفالا بوطن الثورة حيث جاء في مطلع قصيد «سجّل والدماء»: «في وطني صارت الدماء حبرا فسجلي أيتها الدماء سجلي غضب الوطن والسماء». تجربة شعرية واعدة ولا شك من شاعرة وإن كان قدومها على مهل فإن معانقتها الابداع لم يكن على عجل.