من بين الملفات المعروضة على لجنة تقصي الحقائق وينتظر أصحابها انصافا معرفة كيفية وفاة الطالب الهادي بوطيب أصيل المنزل بقابس في معتقل رجيم معتوق في ماي 1991 على خلفية الاحداث التي شهدتها البلاد اواسط تلك السنة وخاصة بسوسة والمنستير وراح ضحيتها أعداد كبيرة من مناوئي النظام البائد.. «الشروق» التقت محسن شقيق طالب كلية سوسة انذاك ليروي فصلا من فصول الاستبداد والاستهانة بحقوق وأرواح العباد. «لا نطلب شيئا سوى معرفة حقيقة وفاة شقيقي في معتقل رجيم معتوق وثكنة لمريسة» بهذه الكلمات المقتضبة انطلق محسن في الحديث عن شقيقه المغدور منذ عشر سنوات «الهادي كان سنة 1991 طالبا مجتهدا على ابواب التخرج من كلية الطب بسوسة في اختصاص التبنيج ولم يكن معروفا عنه اي انتماء سياسي رغم ادائه لواجباته وفروضه الدينية بصورة منتظمة ولعلها كانت المدخل الرئيسي للبوليس السياسي لتتبعه ومراقبته ولكنه ليس السبب الجوهري لاقتياده واعتقاله... فكما روى لنا الشهيد عبر رسالته اليتيمة من المعتقل قبل وفاته بأن كل ما في الامر ان رجال الأمن وبعد تواصل الاضرابات والاعتصامات على امتداد أسبوع كامل جاؤوا قبل فجر يوم من أيام شهر أفريل 1991 وحوالي الساعة الرابعة صباحا تحديدا ليطلقوا انذارا أخيرا لكل الطلبة في المبيت الجامعي بضرورة النزول والتجمع بالساحة قبل القيام بعملية اقتحام ومداهمة وهو توقيت كان فيه العديد من الطلبة يغطون في نوم عميق بعد يوم حافل بالمظاهرات والمصادمات فلم يفيقوا إلا عندما أخرجهم رجال الأمن قسرا من غرفهم واقتادوهم الى سيارات الشرطة وأعلموهم انهم سيرحلونهم الى مدنهم». خدعة الترحيل «عملية ترحيلهم الى مواطنهم كانت خدعة لضمان هدوئهم اثناء الرحلة ولكن الوجهة في حقيقتها لم تكن الا معتقل رجيم معتوق وثكنة «لمريسة» حيث فتح الطلبة أعينهم ليجدوا أنفسهم وسط الصحراء ولا احد من اهاليهم يعلم بمكانهم وانطلقت عمليات استجوابهم وتعذيبهم حال وصولهم وبعد أقل من أسبوع وصلتنا رسالته الوحيدة لتخبرنا بمكانه فذهبت اليه في محاولة لمقابلته والاطمئنان على صحته ولكنهم منعوني حتى من سماع صوته ليصلنا بعد أيام قليلة خبر فراره من المعتقل». ويواصل شقيق الشهيد حديثه «هذا الخبر لم نصدقه لاستحالة تنفيذه مع الاجراءات الامنية المشددة لمعتقل تحيط به صحراء قاحلة من كل جانب وأكدت الاشاعات التي تلت الخبر صدق أحاسيسنا وكانت كلها تتفق على نهاية واحدة وهي أنه توفي تحت التعذيب ولم تمض الا أيام معدودة حتى جاءنا النبأ الذي كنا نحاول تكذيبه وأحاطت قوات امنية مكثفة بمنزلنا وحملوا معهم جثته واعلمونا بأن قبرا حفر فجرا ينتظره واجبرونا على كتمان الامر وان لا يشارك في مراسم الدفن الا الأقربون جدا وحضرنا الى المقبرة ولكننا منعنا رؤيته وادخاله الى مثواه الاخير وتولت مجموعة أمنية القيام بالعملية وتواصلت عملية حراسة قبره حوالي الاسبوع خوفا من أن ننبش قبره لنعرف سر وفاته». وفاة مسترابة وموكب دفن بحراسة مشددة «الاكيد ان وفاته لم تكن طبيعية والدليل أنهم أخذوا جثمانه الى المستشفى الجهوي بمدنين قبل القدوم به الى قابس لدفنه بطريقة مريبة منعونا خلالها حتى من التأكد ان كان ما دفناه شقيقنا ام لا ومعرفة أسباب وفاته وقد حاولنا رفع قضية عدلية لمعرفة ملابسات موته الا ان المحامين رفضوا قبولها واعتبروها قضية خاسرة ونهايتها وخيمة فطرقنا بابا آخر وهو المحكمة العسكرية بصفاقس للاطلاع على ملفه العسكري خاصة انه توفي في ثكنة لمريسة ولم يكن الحال بأحسن من سابقه لندخل في دوامة اليأس من معرفة ملابسات وفاته». ويختم محسن كلامه بنداء يوجهه على لسان ام في الخامسة والسبعين من عمرها ثكلت ابنها في عز شبابه ومازالت حسرتها عليه تحرق قلبها «والدتي امرأة مسنة لا تطلب قبل مماتها الا معرفة حقيقة وفاة فلذة كبدها وتطالب بفتح تحقيق لمعرفة ملابسات هذه الحادثة ومحاسبة كل من يثبت تورطه في اعتقاله او موته وتؤكد على ضرورة استرجاعها لحق ابنها المادي والمعنوي خاصة ان عديد المنظمات والجمعيات الانسانية قد تجاهلته ولم يرد في تقاريرها».