مصالح الحرس الديواني تحجز كميات هامة من البضائع المهربة بقيمة 8.7 مليون دينار الاسبوع المنقضي    عاجل/ انقطاع الماء عن هذه المناطق بالعاصمة    تفاصيل بيع تذاكر نهائي كأس تونس لكرة اليد    عاجل/ العاصمة: كشف بصري مجاني لفائدة هؤلاء يوم الأحد    عاجل/ مقتل تونسي في بلجيكا دفاعا عن امرأة تعرّضت للتحرّش    منوبة: لقاءات بين اكثر من 500 خريج تكوين مهني و50 مؤسسة اقتصادية في اليوم الوطني للإدماج المهني في قطاع الكهرباء والالكترونيك    حاجب العيون: بعد تداول مقطع فيديو يوثّق عملية سرقة بسهلول... إيقاف السارق واستعادة المسروق.    الدخول إلى المتاحف والمواقع الأثرية والتاريخية مجانا يوم الأحد 1 جوان 2025    تطوير الخدمات الصحية بالكاف: تعزيز بالتجهيزات والأطباء وتحديث الأقسام    صفاقس: السيطرة على حريق بمستودع الشركة التونسية الهندية للأسمدة في دون تسجيل إصابات    الطلاق بالتراضي لدى عدول الإشهاد يثير جدلاً مجتمعياً وقانونياً واسعاً في تونس    الأدوية المهرّبة، الإفلاس، وغياب الرقابة: قطاع الصيدلة يدق ناقوس الخطر    المبادرة الوطنيّة التشاركيّة للوقاية من مخاطر المخدّرات تنظم فعاليّات توعويّة خلال عدد من التظاهرات الرياضيّة الوطنيّة    قابس: انتعاشة ملحوظة للقطاع السياحي    "بي هاش بنك" يعتزم اصدار قرض رقاعي و/أو قرض ثانوي بقيمة أقصاها 150 مليون دينار    احتفال بيوم التطوع في الحماية المدنية    جلسة عمل حول تأمين الثروة الفلاحيّة والغابيّة من الحرائق لصائفة 2025    عاجل/ الكشف عن هوية منفّذي عملية حرق حافلة نقل مدرسي    عاجل: الصين تعفي أربع دول من التأشيرة    انطلاق الدورة السادسة من مهرجان "سينما الجبل" بعين دراهم    إرشاد المستهلك: عديد العائلات التونسية لم تقضي العطلة الصيفية منذ 5 سنوات.. #خبر_عاجل    اكتشاف واعد لعلاج حساسية ''الغلوتين''....التفاصيل    بيان وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج بمناسبة "يوم افريقيا"    بشرى سارة/ بعد 5 سنوات جفاف: نسبة امتلاء السدود التونسية تتجاوز 41 بالمائة..وهذه التفاصيل بالأرقام..    تفاصيل العثور على الطفل المفقود بعد مغادرته منزل عائلته وكتابته لرسالة وداع    الحرس الثوري: مستعدون لأي سيناريو وسنحرق مصالح الأعداء    ما الذي أغضب أنس جابر في رولان غاروس 2025؟    التونسية اللبنانية نادين نسيب نجيم تواجه فضيحة تحرش وتلوح بالقضاء    الدروة الخامسة من نهائيات برنامج حاضنة المشاريع غدا الخميس بالمرسى    كرة اليد: الاتحاد المنستيري يرفض تعيين حكام مصريين لنهائي الكأس    يعيشون من القمامة... ويموتون بصمت: البرباشة خارج رحمة القانون    بمنشار كهربائي.. تفاصيل مروعة عن تعذيب رجل أعمال أمريكي شهير لتاجر بيتكوين في نيويورك    فنان يثير ضجة وجدلا واسعا وهذا هو السبب..!    رسالة غامضة من رونالدو تُشعل الجدل    عيد الاضحى يوم السبت 7 جوان في هذه الدول    ما هي أسعار اللحوم المبرّدة التي ستُطرح في السوق؟    إسرائيل تقصف مطار صنعاء وتتوعد بضربات أكثر شراسة    بعد ذبح الأضحية... ما الذي يُستحب للمُضحّي فعله؟    هل أن ''الكرموس'' يخفض الكوليسترول الضار؟ إليك الإجابة العلمية والفوائد الصحية الكاملة    منظمة إرشاد المستهلك: أسعار أضاحي العيد خيالية وتجاوزت المتفق عليه    دعاء أول أيام ذي الحجة...أيام مباركة وفرصة للتقرب من الله    نعيم السليتي يمدد عقده مع نادي الشمال القطري الى غاية 2027    عاجل/ بلاغ هام من وزراة التربية لتلاميذ البكالوريا..    أكثر من 1500 عامل في السياحة يطردون قبل إصلاحات قانون الشغل    الصين: قتلى ومصابين في انفجار بمصنع كيماويات    مسرحية "وراك" لأوس إبراهيم… لعبة الوجود بين الوهم والحقيقة    عاجل/ تصل الى 3000 دينار: نقابة الفلاحين تكشف أسعار الأضاحي المتداولة حاليا في السوق..    طقس اليوم: رياح قوية نسبيا بهذه المناطق والبحر مضطرب    وزير التجهيز يتفقد أشغال تقوية الطريق السيارة A1 ويعلن قرارات جديدة لتحسين انسيابية المرور    تكريم الباحثة الكورية كريمة كيم بجائزة ابن خلدون 2025 لترجمتها "المقدمة" إلى اللغة الكورية    توزر - مدنين: نجاح عمليتي قسطرة قلب عبر منصة نجدة الرقمية    قبل مواجهة تونس والبنين.. تصريح غريب للركراكي مدرب المغرب    بسبب فضيحة.. استقالة قاض في محاكمة وفاة مارادونا    من 29 إلى 31 ماي : مهرجان جازيت لموسيقى الجاز العالميّة ينتظم في دورته الأولى.    السعودية تعلن الأربعاء غرة ذي الحجة والجمعة 6 جوان أول أيام عيد الأضحى    قفصة: توفّر 59 ألفا و500 رأس من الأضاحي    اليوم تحري هلال ذو الحجة..    باردو... في مسابقة التلاميذ سفراء المتاحف والمعالم الأثرية.. تتويج التلميذتين إسلام السياري من باجة ونهر الوحيشي من المهدية    









بنات أفكار: غيوم على الربيع التونسيّ
نشر في الشروق يوم 08 - 05 - 2011

أستعير هذا العنوان بتغيير طفيف من «إدغار موران» في مقالة له بديعة عن الغيوم التي تتلبّد في سماء الثورات العربيّة نشرها منذ أيّام في صحيفة (لومند ) الفرنسيّة. وبالمثل، فإنّي عندما أرى الغيمات السوداء تتلبّد في سماء تونس وفي ذروة ربيعها، لا أستطيع أن أمنع نفسي من تخيّل الأوحال التي تنذر بها، ولا أنْ أردّدَ تحيّة «هيغل» التنبّئيّة بخصوص ثورة 1789 الفرنسيّة: لقد كانت إشراقة شمس رائعة !
لا شكّ في أنّ مشاهد الانتكاسة القاسية كانت تدور بخلده، حين قال ذلك، وهو يستذكر مآلات الثورة في عناوينها الملكيّة الدستوريّة والجمهوريّة والامبراطوريّة التوسّعية فالملكيّة من جديد، بانتظار أن تقوم، بعد وفاته، الجمهوريّة الثالثة.
ولأنّ الإنسان هو الكائن الوحيد الذي لا يكتفي بأن يحيا الزمن، فأضاف إليه وعي الزمن مبتدعا علما خصوصيّا نسمّيه التاريخ، فلا مناص من الاعتبار بتجاريب الثورات والدول لاستخلاص الدروس والعبر، وإضاءة لحظات العتمة والظلمة.
قد يتسلّل إحساس مرير بالخيبة والخذلان، ونحن نشاهد انتكاسات هنا وانتكاسات هناك، ونحن نرقب، بعيون ساهمة، انتقالا ديمقراطيّا هشّا متردّدا، أو نحن نلحظ تراخيا في القطع مع الماضي. ولكنّنا، أبدا وبحكم التاريخ أيضا، لن نيأس. فالمارد قد حطّم القمقم، والخوف قد طار من الصدور، ولن يرضى بالعودة حيث كان من الأقفاص. قد نعرف، اليوم أو غدا، انتكاسة أو التفافا، ولكنّ التاريخ لا يعيد نفسه إلاّ على سبيل المهزلة أو الكارثة المعمّمة. لقد صارت الإرادة الشعبيّة في الكرامة والحرّية قوّة مولّدة ومجدّدة للتاريخ.
أستذكر التاريخ في مواجهة أحداث الشأن الجاري. يوم الجمعة 6 ماي أهدتنا الحكومة المؤقّتة قطعة من العذاب منتهية الصلاحيّة. وما كنّا نتصوّر أن تأخذها العزّة بالإثم لتعيد إلى أذهاننا ذكريات سيّئة جهدنا في نسيانها، ورغبنا في القطع معها.
ففي مواجهة مواطنين يتظاهرون سلميّا، ضربت القوّات الأمنيّة يمينا وشمالا، واعتدت على ما طالته هراواتها وغازاتها وأقدام أعوانها وقبضات أيديهم. ولم تُعْف هذه الهبّة صحافيّين يقومون بواجبهم المهنيّ، ولا مارّة من نساء وشيوخ وأطفال كانوا يعبرون المكان، وطاردت الجميع حتّى الأنهج الفرعيّة لشارع بورقيبة والأزقّة المجاورة من ساحة «برشلونة» ومحطّة قطاراتها إلى ساحة «الباساج».
كلّ من وُجِد في ذلك المكان، وفي ذلك التوقيت بالذات، عاش يوما «مختلسا» من أيّام ما قبل 14 جانفي سيّئة الذكر. يصدق ذلك على كثير من مناطق الجمهوريّة حيث تفاوتت حدّة المواجهات مع قوّات الأمن. (وفي هذا الوقت الذي أكتب فيه هذه السطور يوم السبت تستمرّ أجواء المواجهات والاحتجاج ). صحيح، من الطبيعيّ، أن يوجد على عين المكان والزمان مَن يكسّر ويعتدي على الأملاك الخاصة والعامة، بل ومن المنتظر، أيضا، أن يوجد قريبا من تلك الصفوف مَن يريد إقامة صلاة الغائب على روح بن لادن. ولكنّ لسان حال المتظاهرين في نواتهم الصلبة كان يردّد: لستُ بالخبّ وليس الخبّ يخدعني !
على أنّه ليس من الإنصاف، أيضا، القول بأنّ الجوّ كان صحوا، والشمس ساطعة في كبد السماء حتّى تلبّدت بالغيوم عقب التصريحات التي أدلى بها وزير الداخلية السابق. ورغم السذاجة السياسيّة التي اتّسمت بها تلك التصريحات التي تحوّلت إلى تصوّرات وتخمينات قبل أن تؤول إلى دردشات، وتنتهي إلى تراجعات واعتذارات، فإنّ الجوّ العامّ لم يكن، قبل ذلك، صحوا على كلّ حال.
لنتّفق أنّ كلّ انتقال ديمقراطيّ يستدعي مساريْن متلازميْن لا بدّ منهما لكي يكون الانتقال انتقالا حقّا لا مراوحة في المكان ذاته: مسار العدالة الانتقاليّة بما تعنيه من محاسبة ومكاشفة ومصالحة، ومسار العدالة الجنائيّة بما تقتضيه من إنفاذ القانون ضدّ من أجرم في حقّ غيره، وضدّ من أفسد لجلبه أمام القضاء واسترداد الحقوق المسلوبة والأموال المنهوبة، وما يستدعيه جميع ذلك من إصلاح جدّي لمنظومة القضاء وأجهزة الشرطة. ولنعترف أنّ هاتيْن العدالتيْن باعتبارهما السكّة التي يسير عليها قطار الانتقال غير موجودتيْن، أو إن شئنا الموضوعية، فإحداهما (الانتقاليّة) معدومة، وثانيتهما (الجنائيّة) موجودة، ولكنّها في حكم المعدومة كما يقال. مساءلة المفسدين والمجرمين في حقّ الشعب والوطن ومحاكمتهم إمّا هي معدومة أو هي تسير بخطى السلحفاة، والكثير ممّن تعلّقت بهم تهم استغلال النفوذ والتعذيب والثراء الفاحش قيل لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء ! بل إنّ الدول التي جمّدت أو تتوفّر على ممتلكات التونسيّين المهرّبة هناك مازالت تنتظر طلبا جدّيا من حكومة تصريف الأعمال لاسترداد ما نهب من تلك الأموال! وإلى اليوم، لم يتقدّم أحدٌ ممّن علقت به تهمٌ في حقّ الشعب والوطن أو من زيّن للطاغي طغيانه وللمستبد استبداده ليعترف ويعتذر، ويطلب الصفح، وكأنّ هؤلاء يراهنون على أنّ الشعب فقد ذاكرته أو أصابه «الزهايمر» أو أنّ الزمن، وحده، كفيل بالنسيان.
في مثل هذه الظروف تتحوّل الحالة الثوريّة إلى حفل تنكّريّ، كلٌّ يدّعي فيه وصْلاً بليلى. إذن، من أجرم في حقّ من، ومن ظلم من؟ من كان الجلاّد ومن كان الضحيّة؟ من كان السجّان ومن كان السجين؟ من الضارب ومن المضروب، من السارق ومن المسروق، من القاهر ومن المقهور، مَن الحارق ومن المحروق، من الآكل ومن المأكول، بل من القاتل ومن المقتول؟
فهل كنّا تحت احتلال أجنبيّ ولم ندر؟
ليس بمثل هذا الحفل التنكّري، ننجح انتقالا ديمقراطيّا مضمون الوصول. ولكنّنا نعطّل طريقا بدأناها، وندخل مدارات حزينة تنتعش فيها ذهنيّة المؤامرة، ومشاعر الغبن، وتزدهر سوق الإشاعة والظنون، وتنفق فيها الافتراءات وصنوف التهريج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.