"اختار الطريق الصحيح".. تصريح مثير لنبيل معلول حول بن رمضان    ماكرون يعلن تأجيل المؤتمر الدولي بشأن حل الدولتين    بيان ناري من الأزهر بعد هجوم إسرائيل على إيران    الهجوم الإيراني يستهدف مقر وحدة النخبة الاستخبارية 8200 الاسرائيلية    إسرائيل: سقوط قتيلة و ارتفاع عدد الجرحى    الخطوط التونسية تعلن عن تغييرات في رحلاتها نحو باريس    كيف سيكون طقس السبت 14 جوان 2025؟    الديوانة: المناظرة الخارجية بالاختبارات لانتداب عرفاء بعنوان سنة 2024    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    وزارة العدل ترفض هذا المقترح    الترجي الرياضي : الدولي البوركيني ديارا اول المنتدبين للموسم الجديد    منها العطش وانقطاع الكهرباء...كيف سنواجه أزمات الصيف؟    شهادة السلامة المرورية    صفاقس.. عودة 516 حاجّا وحاجة من البقاع المقدّسة    نابل: افتتاح ورشة لاعادة رسكلة النفايات البلاستيكية وتثمينها بفرع بني خلاد للاتحاد التونسي لاعانة الاشخاص القاصرين ذهنيا    عاجل/ قافلة الصمود: تضييقات شديدة على الحركة ومنع وصول المساعدات إلى داخل المخيّم    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الممثل والمخرج محمد علي بالحارث    عاجل : قيمص الترجي الرياضي الثالث هو الأفضل في مسابقة كأس العالم للأندية    تونس تروّج لمنتجاتها الغذائيّة والصناعات التقليديّة في المعرض الإقتصادي والتجاري الصيني الإفريقي    السعودية وقطر تحتضنان صراع الفرصة الأخيرة نحو مونديال 2026    توزر: يوم مفتوح للتعريف بفرص التكوين في مهن السياحة والمسار المهني لخرّيجيها    صمود الأوضاع المالية على الرغم منحالة عدم اليقين الناتجة عن الحروب التجارية    الإعلان عن المتوجين بالجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل    الدورة الأولى من الصالون الوطني للفنون التشكيلية من 14 جوان إلى 5 جويلية بمشاركة 64 فنانا من مختلف الولايات    إعادة تهيئة المقر القديم لبلدية رادس مدرجة ضمن برنامج احياء المراكز العمرانية القديمة باعتباره معلما تاريخيا (المكلف بتسيير البلدية)    وزارة الشؤون الثقافية تنعى المخرج والممثل محمد علي بالحارث    سليانة / كميات الحبوب المجمعة بلغت الى حدود اليوم الجمعة 283 الف قنطار    الصحة العالمية تحذر من طرق الترويج للسجائر    من قلب الصحراء التونسية : حليب الجمل يتحول الى الذهب الأبيض...روبرتاج يكشف التفاصيل    العثور علي جثة مواطن مذبوح في بوعرڨوب    عاجل/ انطلاق تطبيق قرار منع استعمال الأكياس البلاستيكية في جربة    نتائح حملة مراقبة الأضاحي: حالات ''بوصفير'' و أجزاء غير صحيّة من ''السقيطة''    افتتاح الدورة الثامنة من المهرجان الدولي لفنون السيرك    تأجيل محاكمة البشير العكرمي والحبيب اللوز في قضية "الملف المفكك" المرتبطة باغتيال بلعيد    هام/ نحو انجاز 3100 وحدة سكنية ضمن المرحلة الثانية للمساكن الاجتماعية..وزير التجهيز يكشف..#خبر_عاجل    جريمة مروعة: شاب 33 سنة ينهي حياة حماته..والسبب صادم..!!    مدنين: الميناء التجاري بجرجيس يستعد لاستقبال اولى رحلات عودة ابناء تونس المقيمين بالخارج    نحو نفس جديد للسينما التونسية : البرلمان يدرس مشروع قانون لإصلاح القطاع    الترجي الرياضي : باسم السبكي يواصل لموسم آخر    النرويجي فارهولم يحطم رقمه القياسي العالمي في سباق 300 متر حواجز    الفنانة بشرى تعلن عن طلاقها    عاجل/ الكيان يغتال قادة عسكريين وعلماء إيرانيين في ضربات دقيقة    عاجل : قبل صافرة البداية في مونديال الأندية.. رسالة عربية مباشرة إلى رئيس الفيفا    جياني إنفانتينو : هذا ما يميز كأس العالم للأندية عن مونديال المنتخبات    مصطفى عبد الكبير: قافلة الصمود بخير.. ولكن التنسيق مع شرق ليبيا يهدّد بمصير العودة    عاجل/ بعد الهجمات الإسرائيلية على ايران..توقف حركة الطيران فوق هذه الدول..    100 يوم توريد... احتياطي تونس من العملة الصعبة    انطلاق خدمة التكفّل عن بعد بالجلطات الدماغية في جندوبة    رئيس الدّولة يؤكد على الخيارات الكبرى لمشروع قانون المالية للسنة القادمة    الغارات أسفرت عن تصفية 3 من كبار قادة المؤسسة العسكرية والأمنية الإيرانية    طقس الجمعة: ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    جندوبة: المستشفى الجهوي بجندوبة يعلن عن انطلاق عمله بتقنيات جديدة تتيح التذويب المبكّر الجلطات الدماغية عن بعد    طرق فعّالة لإزالة بقع الحبر من الملابس البيضاء باستخدام مكونات منزلية    عاجل/ رصد متحوّر كورونا الجديد في هذه الدولة..    موعدنا هذا الأربعاء 11 جوان مع "قمر الفراولة"…    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    









بنات أفكار: غيوم على الربيع التونسيّ
نشر في الشروق يوم 08 - 05 - 2011

أستعير هذا العنوان بتغيير طفيف من «إدغار موران» في مقالة له بديعة عن الغيوم التي تتلبّد في سماء الثورات العربيّة نشرها منذ أيّام في صحيفة (لومند ) الفرنسيّة. وبالمثل، فإنّي عندما أرى الغيمات السوداء تتلبّد في سماء تونس وفي ذروة ربيعها، لا أستطيع أن أمنع نفسي من تخيّل الأوحال التي تنذر بها، ولا أنْ أردّدَ تحيّة «هيغل» التنبّئيّة بخصوص ثورة 1789 الفرنسيّة: لقد كانت إشراقة شمس رائعة !
لا شكّ في أنّ مشاهد الانتكاسة القاسية كانت تدور بخلده، حين قال ذلك، وهو يستذكر مآلات الثورة في عناوينها الملكيّة الدستوريّة والجمهوريّة والامبراطوريّة التوسّعية فالملكيّة من جديد، بانتظار أن تقوم، بعد وفاته، الجمهوريّة الثالثة.
ولأنّ الإنسان هو الكائن الوحيد الذي لا يكتفي بأن يحيا الزمن، فأضاف إليه وعي الزمن مبتدعا علما خصوصيّا نسمّيه التاريخ، فلا مناص من الاعتبار بتجاريب الثورات والدول لاستخلاص الدروس والعبر، وإضاءة لحظات العتمة والظلمة.
قد يتسلّل إحساس مرير بالخيبة والخذلان، ونحن نشاهد انتكاسات هنا وانتكاسات هناك، ونحن نرقب، بعيون ساهمة، انتقالا ديمقراطيّا هشّا متردّدا، أو نحن نلحظ تراخيا في القطع مع الماضي. ولكنّنا، أبدا وبحكم التاريخ أيضا، لن نيأس. فالمارد قد حطّم القمقم، والخوف قد طار من الصدور، ولن يرضى بالعودة حيث كان من الأقفاص. قد نعرف، اليوم أو غدا، انتكاسة أو التفافا، ولكنّ التاريخ لا يعيد نفسه إلاّ على سبيل المهزلة أو الكارثة المعمّمة. لقد صارت الإرادة الشعبيّة في الكرامة والحرّية قوّة مولّدة ومجدّدة للتاريخ.
أستذكر التاريخ في مواجهة أحداث الشأن الجاري. يوم الجمعة 6 ماي أهدتنا الحكومة المؤقّتة قطعة من العذاب منتهية الصلاحيّة. وما كنّا نتصوّر أن تأخذها العزّة بالإثم لتعيد إلى أذهاننا ذكريات سيّئة جهدنا في نسيانها، ورغبنا في القطع معها.
ففي مواجهة مواطنين يتظاهرون سلميّا، ضربت القوّات الأمنيّة يمينا وشمالا، واعتدت على ما طالته هراواتها وغازاتها وأقدام أعوانها وقبضات أيديهم. ولم تُعْف هذه الهبّة صحافيّين يقومون بواجبهم المهنيّ، ولا مارّة من نساء وشيوخ وأطفال كانوا يعبرون المكان، وطاردت الجميع حتّى الأنهج الفرعيّة لشارع بورقيبة والأزقّة المجاورة من ساحة «برشلونة» ومحطّة قطاراتها إلى ساحة «الباساج».
كلّ من وُجِد في ذلك المكان، وفي ذلك التوقيت بالذات، عاش يوما «مختلسا» من أيّام ما قبل 14 جانفي سيّئة الذكر. يصدق ذلك على كثير من مناطق الجمهوريّة حيث تفاوتت حدّة المواجهات مع قوّات الأمن. (وفي هذا الوقت الذي أكتب فيه هذه السطور يوم السبت تستمرّ أجواء المواجهات والاحتجاج ). صحيح، من الطبيعيّ، أن يوجد على عين المكان والزمان مَن يكسّر ويعتدي على الأملاك الخاصة والعامة، بل ومن المنتظر، أيضا، أن يوجد قريبا من تلك الصفوف مَن يريد إقامة صلاة الغائب على روح بن لادن. ولكنّ لسان حال المتظاهرين في نواتهم الصلبة كان يردّد: لستُ بالخبّ وليس الخبّ يخدعني !
على أنّه ليس من الإنصاف، أيضا، القول بأنّ الجوّ كان صحوا، والشمس ساطعة في كبد السماء حتّى تلبّدت بالغيوم عقب التصريحات التي أدلى بها وزير الداخلية السابق. ورغم السذاجة السياسيّة التي اتّسمت بها تلك التصريحات التي تحوّلت إلى تصوّرات وتخمينات قبل أن تؤول إلى دردشات، وتنتهي إلى تراجعات واعتذارات، فإنّ الجوّ العامّ لم يكن، قبل ذلك، صحوا على كلّ حال.
لنتّفق أنّ كلّ انتقال ديمقراطيّ يستدعي مساريْن متلازميْن لا بدّ منهما لكي يكون الانتقال انتقالا حقّا لا مراوحة في المكان ذاته: مسار العدالة الانتقاليّة بما تعنيه من محاسبة ومكاشفة ومصالحة، ومسار العدالة الجنائيّة بما تقتضيه من إنفاذ القانون ضدّ من أجرم في حقّ غيره، وضدّ من أفسد لجلبه أمام القضاء واسترداد الحقوق المسلوبة والأموال المنهوبة، وما يستدعيه جميع ذلك من إصلاح جدّي لمنظومة القضاء وأجهزة الشرطة. ولنعترف أنّ هاتيْن العدالتيْن باعتبارهما السكّة التي يسير عليها قطار الانتقال غير موجودتيْن، أو إن شئنا الموضوعية، فإحداهما (الانتقاليّة) معدومة، وثانيتهما (الجنائيّة) موجودة، ولكنّها في حكم المعدومة كما يقال. مساءلة المفسدين والمجرمين في حقّ الشعب والوطن ومحاكمتهم إمّا هي معدومة أو هي تسير بخطى السلحفاة، والكثير ممّن تعلّقت بهم تهم استغلال النفوذ والتعذيب والثراء الفاحش قيل لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء ! بل إنّ الدول التي جمّدت أو تتوفّر على ممتلكات التونسيّين المهرّبة هناك مازالت تنتظر طلبا جدّيا من حكومة تصريف الأعمال لاسترداد ما نهب من تلك الأموال! وإلى اليوم، لم يتقدّم أحدٌ ممّن علقت به تهمٌ في حقّ الشعب والوطن أو من زيّن للطاغي طغيانه وللمستبد استبداده ليعترف ويعتذر، ويطلب الصفح، وكأنّ هؤلاء يراهنون على أنّ الشعب فقد ذاكرته أو أصابه «الزهايمر» أو أنّ الزمن، وحده، كفيل بالنسيان.
في مثل هذه الظروف تتحوّل الحالة الثوريّة إلى حفل تنكّريّ، كلٌّ يدّعي فيه وصْلاً بليلى. إذن، من أجرم في حقّ من، ومن ظلم من؟ من كان الجلاّد ومن كان الضحيّة؟ من كان السجّان ومن كان السجين؟ من الضارب ومن المضروب، من السارق ومن المسروق، من القاهر ومن المقهور، مَن الحارق ومن المحروق، من الآكل ومن المأكول، بل من القاتل ومن المقتول؟
فهل كنّا تحت احتلال أجنبيّ ولم ندر؟
ليس بمثل هذا الحفل التنكّري، ننجح انتقالا ديمقراطيّا مضمون الوصول. ولكنّنا نعطّل طريقا بدأناها، وندخل مدارات حزينة تنتعش فيها ذهنيّة المؤامرة، ومشاعر الغبن، وتزدهر سوق الإشاعة والظنون، وتنفق فيها الافتراءات وصنوف التهريج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.