من كابول إلى بغداد ومن مقديشو إلى طرابلس باتت دول مستقلة ذات سيادة تحت رحمة نيران طائرات الحلف الأطلسي والسؤال المحير بعد صدور القرار 1973 المتعلق بليبيا هو بأي صفة تتقمص دول حلف الأطلسي مهمة تنفيذ قرارات مجلس الأمن وخاصة منها القرار 1973 والحال انه لا مجلس الأمن ولا القرار 1973 ذاته قد فوّض صراحة تلك المهمة لذاك الحلف؟ وعلى هذا الأساس ما نلاحظه قانونا هو أن القرار 1973 لم يفوّض صراحة الحلف الأطلسي بتطبيق الحظر الجوي على ليبيا (أولا) وما نلاحظه واقعا هو أن الحلف الأطلسي قد انتهك مضمون القرار 1973 (ثانيا) . أولا: القرار 1973 لم يفوّض صراحة الحلف الأطلسي مهمة تطبيق الحظر الجوي على ليبيا: لقد ورد بالفقرة 4 من القرار 1973 بأن مجلس الأمن «يأذن للدول الأعضاء وهي تتعرف على الصعيد الوطني او عن طريق منظمات او ترتيبات إقليمية، وبالتعاون مع الأمن العام، باتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين والمناطق الآهلة بالسكان المدنيين المعرضين لخطر الهجمات في الجماهيرية العربية الليبية بما فيها بنغازي». وبالتمعن في هاته الفقرة الرابعة من القرار 1973 نلاحظ غياب أي إشارة واضحة للحلف الأطلسي بالقيام بتطبيق إجراءات الحظر الجوي على ليبيا و هو ما يعد خرقا لشروط تفويض استعمال القوة من طرف مجلس الأمن المنصوص عليها بميثاق منظمة الأممالمتحدة. خرق منطوق المادة 53 فقرة 1 من الميثاق لقد أقرت الفقرة 1 من المادة 53 من الميثاق بان «مجلس الأمن يستخدم المنظمات والوكالات الإقليمية في أعمال القمع كلما رأى ذلك ملائما.. أما التنظيمات والوكالات نفسها فانه لا يجوز بمقتضاها أو على يدها القيام بأي عمل من أعمال القمع بغير إذن مجلس الأمن.» وتأسيسا على ذلك وأمام انعدام أي تفويض صريح من مجلس الأمن صلب القرار 1973 للحلف الأطلسي بتطبيق إجراءات الحظر على ليبيا، فان القصف الجوي الذي تتعرض له طرابلس يعد عدوانا عسكريا لدول الأطلسي على ليبيا. خرق منطوق المادة 106 من الميثاق نحن نعلم وان مجلس الأمن لا تتوفر له قوات مسلحة ينفذ بها قراراته بما ان الاتفاقيات المنصوص عليها بالمادة 43 من الميثاق المتعلقة بوضع قوات مسلحة تحت إمرة مجلس الأمن، لم يقع اتخاذها إلى اليوم، وعليه فقد بقي العالم في فترة انتقالية لحفظ الأمن الدولي وهو بالتالي في إطار المادة 106 المتعلقة بتدابير حفظ الأمن في فترة الانتقال تلك المادة التي جاء فيها: « إلى أن تصير تلك الاتفاقات الخاصة المشار إليها في المادة 43 معمولا بها على الوجه الذي يرى معه مجلس الأمن انه أصبح يستطيع البدء في احتمال مسؤولياته وفقا للمادة 42، تتشاور الدول التي اشتركت في تصريح الدول الأربع الموقّع في موسكو في 30/10/1943 هي وفرنسا للقيام نيابة عن الهيئة بالأعمال المشتركة التي قد تلتزم لحفظ السلم والأمن الدولي « وهذا معناه أن الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن تعود لها مهمة حفظ الأمن في فترة الانتقال التي لا زالت سارية المفعول وبالتالي فإذا كان التدخل في ليبيا خارج إطار المادة 53، فانه أيضا خارج إطار المادة 106 لان الدول المشاركة في العملية العسكرية ليست تلك التي وقعت على تصريح موسكو سنة 1943، إذ نجد اليوم كندا وايطاليا وتركيا وقطر وفي المقابل لا نجد روسيا والصين وهو ما يعني خارج إطار الدول الخمس دائمة العضوية لمجلس الأمن التي تعود لها رأسا حسب المادة 106 مهمة تنفيذ قرارات مجلس الأمن إلى أن يقع وضع قوات مسلحة تحت إمرة مجلس الأمن عملا بأحكام المادة 43 من الميثاق. ثانيا: انتهاك الحلف الأطلسي لمضمون القرار 1973: إذا ما تجاوزنا انعدام الصفة لتقمص دول الحف الأطلسي مهمة تطبيق الحظر الجوي على ليبيا، فإننا سنصطدم بخرق آخر لمضمون القرار 1973 وخاصة فقرته الثامنة التي تقر حظرا جويا على ليبيا فإذا كان القرار 688 الصادر في 05/04/1991 المتعلق بالعراق يقر تدخلا في الشمال لحماية الأكراد دون إن ينص على أي حظر جوي فان الحلفاء قد أقاموا حظرا جويا غير شرعي هناك على الشمال بتاريخ 07/04/1991 لحماية الأكراد وعلى الجنوب بتاريخ 28/08/1991 لحماية الشيعة. أما الوضع في ليبيا فكان العكس إذ أن الحظر الجوي قد اقره القرار 1973 ولكن الخرق وقع على مستوى تطبيقه إذ أصبحت طائرات الحلف الأطلسي تقصف المواقع المدنية والعسكرية ومقر العقيد القذافي على الرغم من أن القرار لا يبيح ذلك لان القصف يجب أن يكون فقط ضد تحليق الطيران الليبي أو أي طيران آخر فوق الأجواء الليبية الأمر الذي يجعل ذاك القصف عدوانا عسكريا على معنى مفهوم العدوان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة صلب قراراها رقم 3314 بتاريخ 18/12/1974. وتأسيسا على ما سبق فإذا ما كان التدخل في العراق سنة 1991 بموجب القرار 688 لسنة 1991 والتدخل في ليبيا بموجب القرار 1973 لسنة 2011 بواسطة الحلف الأطلسي دون ان يكون هناك تفويض صريح من مجلس الأمن وخلافا لبنود المواد 53 و106 من الميثاق فهل هذا يعني بداية التأسيس لاعتبار الحلف الأطلسي جناحا عسكريا لمجلس الأمن خاصة وان تلك الدول لا تتوانى عن التدخل حتى خارج إطار مجلس الأمن مثلما وقع في كوسوفو سنة 1999 والعراق سنة 2003 وخاصة أن النية في وضع قوات مسلحة تحت إمرة مجلس الأمن عملا بأحكام المادة 43 من الميثاق لم تتوفر منذ 1945 إلى حد الآن وخاصة، وهو الأخطر ان ثلاثة أعضاء دائمين في مجلس الأمن هم أعضاء في الملف الأطلسي وهي أمريكا وفرنسا وبريطانيا والخوف وكل الخوف إذا انضمت روسيا للحلف الأطلسي رسميا الأمر الذي يجعلنا نختم حديثنا بإبراز اخطر النتائج المترتبة عن تحوّل الحلف الأطلسي إلى جناح عسكري لمجلس الأمن لعلّ أهمّها : مضيّ مجلس الأمن في تفويض تنفيذ قراراته لدول بعينها وتحديدا دول الحلف الأطلسي دون أن يقع التنصيص على ذلك صراحة صلب قراراته كما في حالة القرار 678 بتاريخ 29 نوفمبر 1990 المتعلق بالعراق والقرار 1973 في 17/03/2011 المتعلق بليبيا ما هو إلا مخالفة واضحة للمواد 53 فقرة أولى و106 من الميثاق الأمر الذي يؤسس لمنطق القوة والهيمنة العسكرية في العلاقات الدولية خاصة وان أغلب الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن هم أعضاء بالحلف الأطلسي . استغلال تلك الدول الأطلسية لقوتها العسكرية لشن حروب على دول مستقلة بتهمة الإرهاب والشبهة في امتلاكها لأسلحة الدمار الشامل ولتغيير الأنظمة السياسية بتعلّة تركيز أنظمة ديمقراطية لحماية حقوق الإنسان. تقمّص بعض الدول مهمة الحفاظ على السلم والأمن الدوليين عوضا عن مجلس الأمن وخارج إطار الفصل السابع ودون تفويض صريح أو ضمني من مجلس الأمن الأمر الذي نسف بالكامل مبدأ حلّ النزاعات الدولية بالطرق السلمية الوارد بالمادة 2 فقرة 3 من الميثاق ومبدأ عدم اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية الوارد بالمادة 2 فقرة 4 من الميثاق وهو ما حدث في كوسوفو سنة 1999 والعراق 2003 . المصادقة اللاحقة لمجلس الأمن على تلك التدخلات غير الشرعية التي وقعت خارج إطاره وإطار الفصل السابع وذلك من خلال عدم تدخّله لمنع ذاك العدوان وإنما بإصدار قرارات مصادقة لاحقة لشرعنة العدوان والاحتلال . الأستاذ علي الهرابي (محام بسوسة وباحث في القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني)