بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي عدت أخيرا من زيارة قصيرة للعاصمة الأردنية عمان حيث لبيت دعوة وجهتها لي قناة الشرقية العراقية لتسجيل ثلاث حلقات من برنامج «أطراف الحديث» الذي يعده ويقدمه الأعلامي الدكتور مجيد السامرائي، وكان تكريما لمحدثكم أن تخصص له ثلاث حلقات اذ تخص القناة كل ضيف بحلقة واحدة أو حلقتين. ومن المؤكد أن الإعداد لثلاث حلقات يتطلب وقتا، وأعتقد اننا جهزنا لهذا حتى قبل وصولي لعمان الذي ظل يؤجل بسبب عدم توفر جواز سفر لدي عدا جواز سفر (س) الذي منحته لي السفارة العراقية بتونس، وهو الجواز الذي توقفت الجهات الأردنية عن قبوله منذ أشهر، وأقول لو لا جهود السفير العراقي الجديد بتونس الأستاذ سعد جاسم الحياني وهو دبلوماسي متمرس لما تم انجاز حلقات برنامج أطراف الحديث» اذ هو الذي أمر بتفعيل جواز سفر ملغى للدخول الى عمان حيث قدمت معاملة جواز السفر الجديد الذي علمت أنه أنجز فعلا ليرفع هذا الحاجز حتى أستطيع أنا وغيري من العراقيين من دخول عمان أخت بغداد وجارتها التي استوعبت عشرات الألوف من العراقيين الذين اضطرتهم ظروفهم لمغادرة بغداد بعد احتلالها عام 2003 ثم بعد الفوضى الطائفية التي بدأت بشكل مريع عامي 2006 و2007 ودفع الشعب العراقي ثمنا باهظا نتيجة الاحتراب الطائفي الغريب على المجتمع العراقي الذي تآخى فيه المواطنون من أي عرق أو من أي طائفة أو دين كانوا. ان زائر عمان سيفاجأ بوجود هذا الكم من العراقيين فيها الأمر الذي تحدثت عنه في مقال سابق لي على صفحات «الشروق» قبل سنوات وعنونته «عراقيو عمان» وها أنا أستعيد العنوان نفسه مع اضافة (أيضا) اليه. مازال العراقيون على عادتهم محبين للسهر، عاشقين للطعام وجلسات تدخين «الأرجيلة» ولعبة الطاولة والدومينو بصخبهم القديم الذي لم يغادرهم في مقاهي شارع الرشيد أو مقاهي شارع أبي نواس، صخب جميل وحيوية شعب حي، لم تسرق منه ضحكته تراكمات أحزانه التي يبددها مع أصوات مغنّييه الشجية، من حسين نعمة الى حميد منصور الى ياسر خضر الى فؤاد سالم وغزلان وغيرهم. وكثير من القنوات الفضائية والصحف العراقية لها مكاتبها في عمّان، فدار الأديب الشهيرة التي تضم مطابع متقدمة انشأت فرعا لها في عمان يكاد يكون أكبر من الدار الأم في بغداد. وهناك رؤساء تحرير صحف يديرون صحفهم من عمّان رغم انها تصدر في بغداد، فعلوا هذا بعد أن تعرضوا لاعتداءات ومحاولات اغتيال... أما الفضائيات فهي الاخرى لها مكاتب في عمّان وأكبرها وأرسخها حضورا لدى المشاهد العراقي «قناة الشرقية» التي أسسها رجل اعلام وثقافة هو سعد البزّاز الذي أنشأ قبلها من لندن الجريدة اليومية «الزمان» ومشروعاه «الشرقية» و«الزمان» لهما هاجسهما وتوجههما العراقي لذا أصبح لهما حضورهما وخاصة قناة الشرقية بالنسبة الى المشاهدين العراقيين سواء كانوا في العراق أو في مهاجرهم، وقد تأكد لي هذا بعد عرض حلقات اللقاء من «أطراف الحديث» وآخرها مساء الأحد 29/5 التي كانت مكرسة للحديث عن تونس وحياتي فيها. لقد وصلتني تعاليق و«مساجات» ومكالمات بها شعرت أن أصدقائي وأحبائي الذين غبت عنهم سنوات قد استعادوني وقد استعدتهم. قلت عن عمان بأنها مدينة عربية بامتياز ولم أبالغ في هذا فالفلسطينيون يتواجدون فيها وكذلك المصريون في تناغم أخوي جميل. ومما يسعد الزائر أن عمّان تضم أيضا مؤسسات ثقافية عراقية صار لها حضورها الفاعل بعمّان مثل «غاليري الاورفلي» الذي نقلته من بغداد الى عمان مؤسسته الفنانة الرائدة وداد الأورفلي. وفي عمّان يتواجد عدد كبير من الأدباء وأساتذة الجامعة والفنانين التشكيليين، أذكر منهم محمد مهر الدين، رافع الناصري، عزام البزاز، وغيرهم كثير. لقد قربتني عمّان من العراق كثيرا حتى أحسست وكأنني فيه، أكلت الطعام العراقي وصافحت وجوه الأصدقاء وشاركتهم الحوار عن حالة بلد منكوب مازال سؤال مصيره حائرا أمام تراكم الأجوبة التي لا تشفي أو تُروي الغليل.