لئن عقد المؤتمر القومي الإسلامي الثامن ببيروت بتاريخ 11- 12- جمادى الأول 1432 الموافق 16 -17 أفريل 2011 حسبما ورد بمجلة المستقبل العربي عدد 387. نشرية ماي 2011 ص213 والذي لم يشارك فيه إلا تونسي واحد. إلا أن المتتبع لهذا المؤتمر الذي عمره على الأقل من 8 سنوات وأنا من بينهم لا يحس أن له أي أثر في تونس و أكبر دليل على ذلك هو ما عبر عنه «بالقطب الديمقراطي الحداثي» بين مجموعات أحزاب من اليسار و القوميين المنعقدة بتونس في 1- 6 – 2011. وواضح من تسميته «قطب» أنه يؤسس للقطبية الفكرية في تونس بناء على حسابات مثل العلمانية والديمقراطية والحداثة ضد من يزعم هؤلاء أنهم ضد هذه التوجهات. إن المؤتمر القومي الإسلامي ولد بعد جدالات عقيمة ظلت لعقود طويلة تقسم عددا كبيرا من المفكرين العرب الذين إنقسموا منذ أواخر الإمبراطورية العثمانية تقريبا بين القوميين على إختلاف مشاربهم و الإسلاميين على تنوع مذاهبهم بعد أن كانت القومية العربية منصهرة لفترة طويلة مع الإسلام حتى أن مصطلح إسلام كان يعني قومية عربية و العكس صحيح. لقد إنبرى بعض المفكرين الكبار من الفريقين للتقريب بينهما وحاولوا منذ مدة طويلة نسبيا إيجاد قواسم مشتركة بينهما. إلى أن تبلورت الفكرة ووصلت إلى بعث المؤتمر القومي- الإسلامي الذي إتخذ من بيروت أرض الحوار والمعرفة و المقاومة مقرا له. لقد إنخرط في هذا المؤتمر المصيري الهام عدد كبير من كبار مفكري التيارين بل من جهابذتهم بعد أن إقتنع العقلاء والحكماء أن الفرقة بين التيارات القومية و الإسلامية لا تزيد الأمة إلا تمزقا وضعفا وتجعلها عرضة للغزو الثقافي وعلى رأسه الهوية العربية الإسلامية المهددة بصفة جدية زمن العولمة. إننا نرى أن إلتقاء التيارات العربية الإسلامية في مؤتمر فكري ثقافي من شأنه بلورة برنامج عمل واعد بناء على تقاطع بعض المفاهيم و الخطوط العريضة لإيجاد أرضية عمل مشتركة توحد جهود الأمة ضد أعدائها الحقيقين مثل الإستعمار الصهيوني لفلسطين قضية العرب والمسلمين المركزية والإستعمار الأمريكي المدعم غربيا في العراق وأفغانستان والذي يحاول التدخل حاليا في ليبيا لاعبا ورقة مساعدة الثوار الليبيين ضد دكتاتورية القذافي الإجرامية. و إننا ننبه و نحذر المجلس الإنتقالي للثورة الليبية من مغبة علاقته بالكيان الصهيوني حسب ما جاء بجريدة القدس على لسان رئيس تحريرها الكاتب الكبير عبد الباري عطوان والصادرة بتاريخ 4 / 06 / 2011 ص1 وكذلك بجريدة الشروق بتاريخ 03 / 05 / 2011 ص31, لأن هذه العلاقات إن كتب لها أن تحصل فعلا فإنها ستجعل الوطن العربي بين كفي كماشة الكيان الصهيوني من الجنوب عبر ما يسمى بدولة الجنوب بالسودان التي كان للصهاينة دورا فعالا في إنشائها ومن الشمال عبر الحدود الجزائرية الليبية إذ ورد بهذه المقالات أن الكيان الصهيوني سيبني مركزا نوويا خطيرا تكون الشعوب العربية على مرمى حجر منه وبذلك يمكنه التحكم في مصيرها وتطويعها لأهدافه الإستعمارية الإجرامية. فهل يقبل هذا المجلس الإنتقالي هذا الدور المسموم؟ وعندها يكون القذافي رغم جرائمه وطغيانه وسحقه لشعبه أفضل من هذا المجلس. وكذلك الإستعمار غير المباشر وعلى رأسه الهوية العربية ونعطي مثالا على ذلك تونس حيث أكد عديد المفكرين ومنهم الدكتور أحمد الذوادي أن الإستعمار الثقافي عامة واللغوي منه خاصة مازال جاثما على صدور التونسيين والأمل معقود على ثورتنا الشعبية المباركة لإزاحته حتى تحظى اللغة الوطنية بمنزلتها الحقيقية كسائر اللغات الوطنية في كل أنحاء العالم. إن الثورة التونسية المباركة و نتائجها الأساسية مثل المجلس الوطني التأسيسي وغيره من المؤسسات الديمقراطية الدستورية التي ستلحق به هي في نظرنا فرصة جد سانحة للتيارات العربية والإسلامية في تونس للإنخراط في فلسفة وبرنامج المؤتمر القومي الإسلامي لإيجاد خطوط عريضة ونقاط تماس ضمن مشروع برنامج مستقبلي يقطع مع الفرقة القاتلة التي أضعفت التيارات العربية الإسلامية,ولبناء مستقبل مشترك واعد توظف فيه الطاقات الجبارة لهذه التيارات في البلاد العربية و خارجها خدمة للمصلحة الوطنية العليا في كل بلد عربي, ثم للمصلحة العربية بصفة عامة وللمصلحة الإسلامية بصفة أعم من الذوبان في غيرها من الأمم, والتفاعل السياسي والثقافي والإنساني مع بقية الأمم لأن الضعيف لا موقع له الآن في مركز أخذ القرار والحوار الحضاري الفعلي, والإسلام والعروبية ينضويان في الأساس ضمن مفاهيم الحوارات الحضارية والتعاون بين الشعوب لإرساء السلم ونبذ الحرب و الإعتداء لأن هدف البشرية هو التعايش و التعارف لا التطاحن و التقاتل قال تعالى {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}. إننا نأمل أن تلقى هذه الورقة إهتماما لدى التيارات العربية والإسلامية في تونس و أن تناقش بجدية. ٭ بقلم: الأستاذ الحنيفي الفريضي