1 الإعلام هو السلطة الرابعة فعلا في الدولة المدنية الديمقراطية وهذا ليس مجرد شعار نرفعه ونطالب به، بل أحداث ثورة تونس برهنت عليه وذلك خصوصا لدى الشباب المتعاطي للأنترنات والصفحات الاجتماعية وكيف كان المليون والنصف من المستعملين لهذا الغنْم التكنولوجي الحديث، يتواعدون (مع SMS والهواتف الجوالة) للاعتصام، ويتبادلون المعلومات حينيا ويقررون إحداث لجان الأحياء لحراستها من بربرية ميليشيات التجمع الدستوري الديمقراطي وأعوان الأمن بالزيّ المدني... ويتبادلون الآراء حول مسارات الثورة والأصلح منها، في ديمقراطية ناشئة عجيبة، رغم الرقابة الأمنية وعنف الدولة وبوليسها السياسي وأساليبها التجويعية... 2 ورغم ما أصاب الإعلام الرسمي والتابع والمذيّل من صمم وعمى وتبلّد، مما جعل المواطن العادي ينفر من نشرات الأخبار المتكلسة ومن صفحات الجرائد المتوالدة بعضها من بعض في لغة خشبية ميّتة، تجاوزها الزمن الحيّ، فإنّ بعض الانتعاش ظهر على الإعلام بعد ثورة 17 ديسمبر 2011، وخصوصا بعد فرار بن علي يوم 14 جانفي 2011. ورأينا الوجوه القديمة المطبّلة تهرول في ارتباك واضح، وتململ مفضوح، للركوب على موجة الثورة ولتتأقلم بنجاح نسبي مع المعطيات الجديدة ومع النفس الحرّ. ولكنّ هذا التأقلم جاء مضطربا، مشوها، متأخرا، فنحن لا يمكن أن نصدّق ما يأتي اليوم على لسان المديرين ورؤساء التحرير ومنشّطي الحصص الإذاعية والبرامج التلفزية وقد تعوّدنا على سماعهم يطبّلون ويمدحون وينافقون، وإن كناّ نفهم ما سُلّط عليهم من ضغوط وما هددوا به وما وقعت به مساومتهم على ضرورة تسليمهم لإدارة المسؤولين الحكوميين والتجمعيين من قبل، ومع هذا، فنحن نشعر اليوم، شعورا قويا، بأنّ شعور هؤلاء الصحفيين بالذنب ليس كاملا ولا نقيا ولا نهائيا، فهم متذبذبون في آرائهم، لم ينزعوا عنهم، مثلهم مثل بعض السياسيين وقادة الأحزاب، ما تعوّدوا عليه من طاعة الحكومة ومن الامتثال لها والرضوخ لطلباتها وتأييدها في كلّ ما تذهب إليه، لأنّ جلّ هؤلاء الصحفيين قد فقدوا منذ مدة طويلة كلّ فكر نقديّ وكلّ مسافة حقيقية عن توجهات السلطة، فلا يستطيعون الفكاك ممّا تعوّدوا عليه من تبعيّة وانتظار للتعليمات وخوف ممّا قد يجرّه القلم الحرّ؛ وتردّد وحيرة مما قد يطرأ من أحداث غير منتظرة في فترة انتقالية خطيرة كالتي نعيشها اليوم. 3 والحلّ حسب رأينا، أن تقع رسكلة كلّ هذا الطاقم القديم من الصحفيين رسكلة جدّيّة، ربما تأخذ حيّزا زمنيا مديدا، وبالخصوص فصل إدارة الصحف عن خطّ التحرير كما يطالب بذلك الصحفيون ونقابتهم المناضلة الفتية، وترك المجال للصحفيين الشبان الذين يجب أن يأخذوا المشعل من الآن ليكون إعلامنا متحرّرا حقا من بقايا رموز النظام السابق ومسؤولي وزارة الإعلام والاتصال المنحلّة، والذين لا يزالون يُحرّكون الدُمى في الخفاء ويأمرون ويتدخلون في كل شيء، مقْصين الأصوات الحرة والجديدة ومكرّسين في أغلب وسائل الإعلام لنفس الوجوه السياسية والجمعياتية المقرّبة من الحكومة الحالية، والمساندة لتوجهاتها، وكأنّنا هكذا نعيش تناقضا صارخا: إعلام قديم في تونس الثورة الجديدة وهذا لا يمكن أن يستمرّ.