وجهت الى المخلوع 113 قضية ومن بين التهم الجديدة التي يقترحها الأستاذ علي الهرابي الخبير في القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني تهمة الخيانة العظمى بوصف المخلوع عضو حكومة سابق في عهد بورقيبة. فأين وجاهة هذه التهمة من النصوص القانونية وهل ستمكن من توفير ضمانات جلب المخلوع ومحاكمته؟ يشير الأستاذ علي الهرابي بداية الى أنه بالعودة إلى القانون ع10دد لسنة 1970 المؤرخ في 1 أفريل 1970 المنشور بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية ع16دد المؤرخ في 1 افريل 1970 الصفحة 362 المتعلق بتنظيم المحكمة العليا في تونس يتضّح أن جريمة الخيانة العظمى ثابتة الأركان في جانب الرئيس السابق بوصفه عضو حكومة سابق في عهد بورقيبة. إلا ان المشكل القانوني المطروح الآن هو استحالة انتصاب المحكمة العليا. لذلك سنتعرض إلى الأسس القانونية لاتهام الرئيس السابق بالخيانة العظمى (أولا) ثم إلى العوائق القانونية التي تحول دون انتصاب المحكمة العليا (ثانيا). أولا – الأسس القانونية المعتمدة لاتهام الرئيس السابق، بوصفه عضو حكومة سابق في عهد بورقيبة، بالخيانة العظمى لقد جاء بالفصل الأول من قانون 1970 أنه «تختص المحكمة العليا بالنظر في جرائم الخيانة العظمى المرتكبة من طرف أحد أعضاء الحكومة». وعليه فلا تنسب جريمة الخيانة العظمى إلا لشخص تقمّص مهمّة داخل الحكومة: (كاتب دولة، وزير، أو وزير أول) وهي مناصب تقمّصها الرئيس السابق في عهد بورقيبة وبالتالي إذا ثبتت الأفعال التي تعتبر خيانة عظمى في جانب الرئيس السابق، لمّا كان عضو حكومة في عهد بورقيبة، فإنه سيحال على أساسها: فما هي هاته الأفعال المكوّنة لجريمة الخيانة العظمى؟ الأفعال المعتبرة خيانة عظمى التي تنسب لعضو حكومة عملا بقانون 1 افريل 1970 المتعلق بالمحكمة العليا لقد جاء بالفصل 2 من قانون 1970 أنه «تتكون جريمة الخيانة العظمى من طرف احد أعضاء الحكومة: بالاعتداء على امن الدولة بتجاوز حدود السلطة عمدا وبصورة مطردة أو بالقيام بأعمال خارقة للدستور أو ضارة بالمصالح العليا للوطن بالإقدام عمدا على مغالطة رئيس الدولة بحيث ينجر عن ذلك النّيل من المصالح العليا للوطن بارتكاب أي عمل عند مباشرة وظائفه يوصف بجناية أو جنحة زمن اقترافه ويكون ماسّا بسمعة الدولة. هنا نعود إلى الفترة التي كان فيها الرئيس السابق عضو حكومة في عهد بورقيبة وسنجد انه: اعتدى على أمن الدولة المعتبر جريمة خيانة عظمى على معنى الفقرة 1 من الفصل 2 من قانون 1970 (مثلا علمه بما سيحدث في قفصة في الثمانينات وعلمه وإمكانية مشاركته في الاغتيالات التي وقعت ضد القيادات الفلسطينية في تونس وهي جرائم ماسة بأمن الدولة الخارجي والداخلي موضوع الفصول 60 إلى 80 من المجلة الجنائية التي تقرّ أغلبها عقوبة الإعدام ). كما أنه متهم بجريمة الخيانة العظمى المنصوص عليها بالفقرة 2 من الفصل من قانون 1970 المتعلقة بخرق الدستور وتجاوز السلطة الصادر من عضو الحكومة بما أن الرئيس السابق، لما كان وزير داخلية ووزيرا أول، قدّم شهادة طبية تدعي مرض الرئيس بورقيبة لتبرير الحلول محله في خرق واضح للفصل 57 من الدستور آنذاك. كما انه متهم بجريمة الخيانة العظمى المنصوص عليها بالفقرة 3 من الفصل 2 من قانون 1970 المتعلقة بمغالطة عضو الحكومة لرئيس الدولة ونحن نعلم كم غالط الرئيس السابق، لمّا كان وزير داخلية ثم وزيرا أول، بورقيبة. كما انه متهم بجريمة الخيانة العظمى المنصوص عليها بالفقرة 4 من الفصل 2 من قانون 1970 المتعلقة بالأفعال المعتبرة جنحة أو جناية يأتيها عضو الحكومة زمن أداء مهامه وتكون ماسّة بسمعة الدولة. وكم أتى الرئيس السابق، لمّا كان عضو بحكومة بورقيبة، من جرائم ماسّة بسمعة تونس. عدم سقوط جريمة الخيانة العظمى بمرور الزمن أما بخصوص سقوط الدعوى بمرور الزمن المتعلقة بجريمة الخيانة العظمى فلا تنصيص صريح صلب قانون 1970 حول الموضوع بالسلب أو بالإيجاب إلا انه بالعودة إلى الفصلين 2 و3 من قانون 1970 يمكن أن نستشف ان تلك الجريمة لا تسقط بمرور الزمن. فالفصل 2 عدّد الجرائم المعتبرة خيانة عظمى صلب اربع فقرات: فقرة 1 تعلقت بالاعتداء على امن الدولة، فقرة 2 تعلّقت بتجاوز حدود السلطة وخرق الدستور، فقرة 3 تعلقت بمغالطة رئيس الدولة، فقرة 4 تعلقت بارتكاب جنحة أو جناية ماسّة بسمعة الدولة زمن ارتكابها. أما الفصل 3 من القانون فقد حدّد في الفقرة الأولى العقوبات المقررة للأفعال الواردة بالفقرتين 2 و3 من الفصل 2 وهي نفس العقوبات المقررة بالمجلة الجنائية على خلاف الفقرة 2 من الفصل 3 التي فرضت على المحكمة العليا الالتزام بتعريف الجنح والجنايات المسطرة لها طبق القوانين الجاري بها العمل زمن ارتكاب الفعلة إذا ما تعلق الأمر بالأفعال المنصوص عليها بالفقرتين 1و4 من الفصل 2 من القانون فماذا نستنج من ذلك؟ الاستنتاج الأول يتعلق بكون أن الأفعال الواردة بالفقرتين 2 و3 من الفصل 2 من قانون 1970 المتعلقة بخرق الدستور ومغالطة رئيس الدولة هي أفعال يقع اكتشافها حينا لمّا كان يمارس عضو الحكومة مهامه وهي بالتالي لا تطرح مشكل وعقابها تم إقراره صلب الفقرة 1 من الفصل 3 من قانون 1970 الذي جاء فيه: «تسلّط المحكمة العليا على عضو الحكومة المنسوبة إليه الأفعال المبينة بالفقرتين 2 و3 من الفصل الثاني من هذا القانون، العقوبات المقرّرة بالمجلة الجنائية لجرائم الاعتداء على امن الدولة.....» الاستنتاج الثاني يتعلق بكون ان الأفعال الواردة بالفقرتين 1 و4 من الفصل 2 من قانون 1970 المتعلقة بالاعتداء على امن الدولة وارتكاب جنح وجنايات من طرف عضو الحكومة، عند مباشرته لمهامه، ماسّة بسمعة الدولة وهي بالتالي أفعال تم اكتشافها لاحقا عند انتهاء مهام عضو الحكومة بدليل أن تلك الأفعال والعقوبات المقررة لها ركزت على لفظ - زمن ارتكابها – دون تحديد مدة زمنية إذ جاء بالفقرة 4 من الفصل 2 من قانون 1970 ما يلي: «- تتكوّن جريمة الخيانة العظمى من طرف أحد أعضاء الحكومة: 1....2.....3...4 بارتكاب أي عمل عند مباشرة وظائفه يوصف بجناية أو جنحة زمن اقترافه ويكون ماسّا بسمعة الدولة.» وتضيف الفقرة 2 من الفصل 3 من قانون 1970 انه «في الصور المنصوص عليها بالفقرتين 1 و4 من الفصل2 تتقيّد المحكمة العليا بتعريف الجنايات والجنح وبالعقوبات المسطّرة لها طبقا للقوانين الجاري بها العمل زمن ارتكاب الفعلة.» فالفعل الذي يوصف بجناية أو جنحة زمن اقترافه والالتزام المحمول على المحكمة العليا بالعقوبات والتعاريف للجنايات والجنح المسطرة لها طبق القانون الجاري بها العمل زمن ارتكاب الفعلة، كلها ألفاظ توحي بان الأمر يتعلق بفعل مكوّن لجريمة الخيانة العظمى تتعلّق بشخص كان عضوا بالحكومة زمن اقترافه فهو بالتالي ينسحب على الماضي. وهنا لو كان المشرّع يريد العمل بمبدأ التقادم وسقوط الدعوى لكان قد أشار صراحة إلى ذلك صلب الفقرة 4 من الفصل 2 والفقرة 2 من الفصل 3 من قانون 1970 ولا يترك الألفاظ مطلقة على شاكلة «زمن ارتكاب الفعلة» لأنها قد تكون سقطت بمرور الزمن زمن اكتشافها خاصة وأن «نص القانون لا يحتمل إلا المعنى الذي تقتضيه عبارته بحسب وضع اللغة وعرف الاستعمال ومراد واضع القانون». (الفصل 532 من مجلة الالتزامات والعقود). وخاصة أنه «إذا كانت عبارة القانون مطلقة جرت على إطلاقها» (الفصل 533 من نفس المجلة) وعليه فلا تسقط جريمة الخيانة العظمى بمرور الزمن. ثانيا: العوائق القانونية التي تحول دون إنتصاب المحكمة العليا لقد نظّم قانون 1 افريل 1970 المحكمة العليا التي تتألف من رئيس وأربعة أعضاء رسميين وثلاثة أعضاء نواب (الفصل 5) ويقع اختيار الرئيس من بين القضاة الساميين ويسمى بأمر (الفصل 5) وينتخب مجلس الأمة (الذي أصبح يسمى مجلس النواب بموجب القانوني الدستوري ع51دد صادر في 9 جوان 1981 المنشور بالرائد الرسمي المؤرخ في 12 جوان 1981، صفحة 1475 المنقح للفصل 28 من الدستور والذي تم تنقيحه أيضا بموجب القانون الدستوري ع51دد الصادر في 1 جوان 2002 صفحة 1442 ليصبح مجلس النواب ومجلس المستشارين) من بين نوابه بقية الأعضاء بمناسبة كل مدة نيابية وبالأغلبية المطلقة (الفصل5). وتتعهد المحكمة العليا بمقتضى إذن صادر عن رئيس الجمهورية بعد أخذ رأي مجلس الأمة (الفصل 13). كما لا تقبل قرارات المحكمة العليا الطعن لا بالاستئناف ولا بالتعقيب (الفصل 22). وعليه فبما أن المحكمة العليا لا تتعهد إلا بإذن صادر من رئيس الجمهورية بعد أخذ رأي مجلس الأمة (مجلس النواب والمستشارين اليوم) وبما أن أعضاؤها هم أعضاء بمجلس الأمة، فإنها لا تستطيع الانتصاب اليوم لأن مجلس النواب ومجلس المستشارين قد وقع حلهما بموجب المرسوم ع14دد لسنة 2011 المؤرخ في 23 مارس 2011 المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية إذ جاء في فصله الثاني ما يلي: «تحلّ بمقتضى هذا المرسوم المجالس التالية: مجلس النواب – مجلس المستشارين...». وبالتالي فالرئيس المؤقت الآن ملزم بأخذ رأي مجلس النواب والمستشارين قبل أن تتعهد المحكمة العليا بأي قضية إذا ما أراد اليوم إحالة الرئيس السابق أو أي عضو حكومة حالي على المحكمة العليا من اجل الخيانة العظمى. أضف إلى أن المحكمة العليا تتكون من أعضاء هم أعضاء بمجلس النواب الذي تم حلّه الآن. لذلك وعملا بما سبق علينا الانتظار حتى يقع انتخاب مجلس تشريعي ورئيس دولة الذي يمكنه وقتها دعوة المحكمة العليا للانتصاب بعد استشارة المجلس التشريعي الجديد.