دون شك فإن الجرائم الفظيعة، الجرائم ضد الانسانية التي يرتكبها الكيان الصهيوني اليوم ضد أبناء شعبنا في فلسطين، وضعت الولاياتالمتحدة والصهيونية في المدار الصحيح : إبادة الشعب الفلسطيني وقتله دون هوادة. لكن ما لم يكن في حسبان هذا الحلف السيء المسيء للانسانية، هي تلك التحرّكات المدنية هنا وهناك عبر عواصم ومدن غربية.. فهذه إيرلندا تعرف موجة من الاحتجاجات تمثلت في الدعوة الى المقاطعة وهذه منظمات مدنية غربية غير مرتبطة بلوبيات القمع وقهر الشعوب التي تلبس نفاقا وبهتانا قفّازات الدفاع عن حقوق الانسان. صحيح أن الولاياتالمتحدة تحاول أن تجد لإسرائيل متنفسا ، قوامه سبعين سنة أخرى من أجل بلوغ أهداف هذا الكيان في دفن القضية الفلسطينية وإلغاء الحقوق الوطنية الفلسطينية وهي (واشنطن) تجنّد لهذه المهمة تارة الديبلوماسية المهاجمة لحق الشعوب في تقرير مصيرها، وطورا مخزون السلاح المحرّم الذي تضرب به قوات الاحتلال الصهيوني أطفال ونساء وشيوخ فلسطين العزّل. لكن هل وصلت الامبريالية الأمريكية الى مبتغاها بنقلها السفارة الى تل أبيب وبإغماض عينها على الجرائم التي تأتيها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني في وضح النهار؟ أبدا... لقد انقلب السحر على الساحر، وها هي فلسطين القضية وفلسطين مؤسسة الدولة تواجه كيان العصابات الصهيونية بإحالتها الحالة الفلسطينية على أنظار المحكمة الجنائية الدولية من خلال لقائه أمس بالمدّعية العامة للمحكمة.. نعم، انقلب السحر على الساحر بشكل مزدوج: فمن ناحية أحدثت هذه المحكمة الدولية لتصفية خصوم الامبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية، وهاهي اليوم تمثّل حلاّ وملجأ المظلومين والمعذّبين في أرض فلسطين، ومن ناحية أخرى ظنّت أمريكا أن مفهوم الصدمة والترويع ممكن الآن في فلسطين عبر نقل السفارة فإذا بها تفاجأ برفض حلفائها من المنظومة الغربية لهذا الاجراء، بل إن دولا أخرى غربية كانت واشنطن تعدّها من ضمن حلفائها، هذه الدول تتجرأ اليوم على الانضمام الى لجنة تقصّي الحقائق التي أعلنت عنها المفوضية السامية لحقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة بجنيف.. صحيح أن واشنطن عوّلت على هذا الصمت العربي وهذا الخنوع الرسمي العربي وقد كان لها ذلك، لكن ما لم يكن في حسبانها أن المجتمع المدني الغربي لم يعد يسمح بمثل هذه الفظاعات وهو يرفض الصمت... لأن الصمت على الجريمة مشاركة فيها.. واشنطن داست مرة أخرى على القرارات الأممية... وهذا ديدنها لكن لن تصل الى أهدافها وأهداف الصهيونية...