نتائج نداء تونس في الانتخابات البلدية لم تكن كارثية رغم انقساماته وانسلاخاته... وكان بالإمكان الاتعاظ بالعمل على لم الشمل داخليا والشروع في استقطاب الأحزاب المنسلخة. لكن ما يعيشه الحزب حاليا ينبئ بقرب نهايته: تونس الشروق: من حزب فائز بالانتخابات التشريعية إلى متخلف عن النهضة في الانتخابات البلدية. والنتيجة موجعة لكل ندائي سواء أكان في القيادة أو القاعدة لكنها كانت معقولة في الواقع لاسيما أن بعض الملاحظين استشرفوا من قبل نتائج كارثية للنداء جراء انقساماته وانسلاخاته. مصير نداء تونس كان أفضل من حزب المؤتمر الذي عاش ظروفا مشابهة بعثرت أحلامه في الانتخابات التشريعية الماضية وأفضل من جميع الأحزاب التي شاركت في الامتحانات البلدية إذا ما استثنينا حركة النهضة. «رب ضارة نافعة»، هذا ما انتظره الندائيون. فالضرر لم يكن فادحا والمنفعة ممكنة بوضع اليد في اليد والانطلاق في حل المسائل الخلافية داخل الحزب قبل الشروع في استمالة الشخصيات والأحزاب المنسلخة من النداء استعدادا للمواعيد الانتخابية القادمة. رغبة «حافظ» بيت النداء الداخلي بات مبعثرا مضطربا كما لم يضطرب من قبل.ووحدته مهددة ما يجعله آيلا الى السقوط في أي لحظة. النقطة الخلافية المتجددة هذه الأيام ترتبط بالموقف من الحكومة ورئيسها يوسف الشاهد. وهو ما عبرت عنه القيادية النداية وفاء مخلوف بالقول: «المواقف متباينة داخل الحزب، منها ما يساند الشاهد ومنها ما يدعو إلى تغييره لاعتبارات معلومة وحسابات شخصية. وهؤلاء يريدون التغيير من أجل التغيير...»، قبل أن تضيف مؤخرا في تصريح إعلامي أن «المدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي يعمل من أجل تغيير الشاهد وإيجاد بديل له على رأس الحكومة لخلافات بينهما». هذه الرغبة حكر في النداء على الإدارة التنفيذية (حافظ وأتباعه). فهي ترغب في بديل للشاهد يقود الحكومة حتى موعد انتخابات السنة القادمة دون أن يخوضها. وهناك من يروّج أنها صارت تدفع باتحاد الشغل نحو التمسك بتغيير رأس الحكومة والمساومة بالانسحاب من وثيقة قرطاج 2. وفي المقابل هناك شق آخر يستميت في الدفاع عن الشاهد ويعارض فكرة إقالته وهو شق الكتلة النيابية. «شخصيا، ضد تغيير الشاهد لعديد الاعتبارات الموضوعية أولها الاستقرار» هذا ما أكدته عضو مجلس النواب وفاء مخلوف وهو لا يعبر عن رأيها لوحدها بل رأي جل زملائها الندائيين في البرلمان. لكن المثير للانتباه أنه ليس مجرد رأي يمكن القبول بما يخالفه بل نجدها تحذّر في تصريح إعلامي «من مغبة أي تغيير ولو كان طفيفا قد يمس بحكومة الوحدة الوطنية أو برئيسها في الفترة الحالية التي تمر بها البلاد...». ليس هناك حل وسطي ولا توفيقي بين أصحاب الرأيين. فإقالة الشاهد لا ترضي الكتلة النيابية والإبقاء عليه لا يرضي حافظ وأتباعه. وعليه يمكن أن نستشرف ما سيحدث لحزب النداء انطلاقا مما سيقرره أهل وثيقة قرطاج برئيس الحكومة. انسحابات منتظرة لو تمت إقالة الشاهد فإن أغلبية كتلة النداء النيابية ستعتبر الأمر ضربة في صميمها من جناح حافظ قبل غيره من مناهضي الشاهد مما يجعلنا ننتظر انسحابات وانسلاخات وانقسامات مدوية. ولو تم الإبقاء على يوسف فإن الإدارة التنفيذية لن تغفر لمن وقف في صفه ضد حافظ قايد السبسي. قد نشهد في الأيام القادمة انسحابات مؤثرة في إطار ردة الفعل الآنية. وقد يتطور الأمر إلى بروز حزب جديد من رحم النداء أسوة بحركة مشروع تونس (محسن مرزوق) وبني وطني (سعيد العايدي) وحزب المستقبل (الطاهر بن حسين) وتونس أولا (رضا بلحاج). وقد نشهد لاحقا اندماج الحزب المفترض مع بعض الأحزاب التي سبقته إلى الانسلاخ... أيا كان السيناريو فإن نداء تونس الحالي في طريقه إلى مزيد الانشطار والتفتت وربما الاندثار اقتداء بتجربة حزب المؤتمر إلا إذا حصلت معجزة في وقت لا مكان فيه للمعجزات. هبة من السماء بإمكان النداء نظريا أن يعود إلى حجمه السابق بعد أن كشفت الانتخابات البلدية عن تركز الثنائية الحزبية (النداء والنهضة) في المشهد السياسي التونسي. هذه الثنائية تخدم النداء أكثر من النهضة. ففضلا على إمكانية عودة الندائيين المنسحبين بعد أن اتضحت لهم حقيقة أوزانهم السياسية في الانتخابات يمكن للنداء أن يستفيد في الانتخابات التشريعية القادمة من التصويت الموجه اعتراضا على حركة النهضة مما يعني أن التنافس سينحصر في النهاية بين الحداثيين الذين سيجدون ملاذهم في النداء وبين الإسلاميين الذي سيختارون النهضة بالضرورة. هي هبة من السماء بالنسبة إلى النداء في غياب أحزاب قادرة على تجميع أصوات الناخبين المناهضين للنهضة. لكن نداء تونس يستعد كعادته للتفريط في هذه الهدية بل وللمراهنة بمصيره. رغبة متجددة رغبة حافظ قايد السبسي في إقالة الشاهد ليست جديدة. بل هي متجددة فخلال جانفي الماضي أكد القيادي في حزب المسار جنيد عبد الجواد أن «المدير التنفيذي لحركة نداء تونس حافظ قائد السبسي طالب بإقالة رئيس الحكومة يوسف الشاهد». وقد أشار عبد الجواد في مداخلة آنذاك على فضائية التاسعة إلى أن حافظ قائد السبسي كان واضحا في موقفه، وأن حزبه يسعى الى تغيير الحكومة بأكملها».