يعرّف الإسلام بأنه دين التوحيد، ويعتبر التوحيد عند المسلمين محور العقيدة الاسلامية، بل محور الدين كلّه اعتمادا على ما جاء في القرآن الكريم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ (سورة الأنبياء آية 25). ويبدأ التوحيد عند المسلم بشهادة «أن لا إله إلاّ الله»، وهي النّفي المطلق لوجود أي آلهة أخرى غير الله». ولكن هل تكفي شهادة المسلم بأن لا إله إلا اللّه حتى تتحقّق عنده وحدانية؟ كثيرون هم علماء الإسلام الذين اهتموا بمسألة التوحيد ولعلّ أبرزهم الإمام أبو حامد الغزالي الذي قسّم التوحيد إلى أربعة أقسام تبدأ بما سمّاه بتوحيد العامّة أي بقول الإنسان بلسانه لا إله إلا الله، وتنتهي بتوحيد الخاصة وهي أن لا يرى الإنسان في الوجود إلاّ واحدا، وهي مشاهدة الصديقين، ويسمّيه المتصوّفون الفناء في التوحيد لأنه من حيث لا يرى إلا واحدا فهو لا يرى نفسه أيضا. ويعتبر الغزالي علم التوحيد من علوم المكاشفة قاطعا بذلك الطريق أمام الفقهاء الذين يعتبرهم محرومين من العلم بالغيب الذي يكاشف الله به أولياءه. والمشاهدة هي المرتبة العليا للشهادة أي أن يتدرّج الإنسان المسلم بوعيه من مرتبة الايمان إلى مرتبة الإحسان وهي أن يعبد الله كأنه يراه. فإدراك وحدة الله ليست فكرية فقط، بل هي روحانية ذوقيّة لأن من ذاق عرف كما يقول علماء التصوّف ومنهم، إلى جانب الغرالي، ابن تيميّة والسيوطي وغيرهم، وكلهم يؤكّدون على أنّ التوحيد ليس موقفا وإنما هو كذلك، وأساسا، سلوك. أي أنه ليس خارج الإنسان المسلم بل في داخله. يقول زكرياء الأنصاري إنه يجب الانتقال من علم التوحيد إلى حال التوحيد. أي أن يعمل الإنسان على توفير مساحة داخل نفسه لاستقطاب هذه الحقيقة الجوهرية، حقيقة التوحيد. وإذا فعل ذلك ونجح في تجاوز مجرّد الشهادة إلى المشاهدة أمكن له أن يعيش التوحيد. فالتوحيد إذن، رغم سهولته الظاهرة التي قد تتراءى للإنسان المسلم، هي تجربة صعبة تحتاج إلى جهاد نفسي ليتحرّر من كل تصوّراته واعتقاداته السابقة المسبقة وأن يتحرّر من كل أحكامه وأفكاره، المقَوْلَبة والمنمِّطة حتى يخلص نهائيا من الثنائية التي تفصل بينه وبين اللّه فيكون الحضور الإلهي متصلا دائما فيه. ذلك أن الاسلام حرّية لا يتّسع له فكر ولا يحتويه مسجد بل إنّ الكون كله مسجد لأن الله في كل مكان: «فأينما تُولّوا فثمّ وجهُ اللّه (سورة البقرة) وهو مع الإنسان المسلم في كل مكان: «وهو معكم أينما كنتم» (سورة الحديد) فالإنسان المسلم ليس بمنقطع أبدا عن اللّه وهو ما يضمن حريته شريطة أن يعمل ويجهد النفس ليجعل الله حاضرا فيه ليس بينه وبين خالقه بعدٌ ولا حاجز. يقول ابن عطاء الله(2): «إنّما حُجبَ الحقّ عنك لشدّة قُرْبه منك، وإنّما احتجَبَ لشدّه طُهُورهِ، وخَفي عن الابصار لشدّة نوره». 1) هو زكرياء بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري ولد بالفسطاط (مصر) سنة 1420 وتوفي بها سنة 1522. قاض ومحدّث وفقيه وقارئ ومفسّر شافعي ومتصوّف. لُقّب بملك العلماء الأعلام وزين الملك والدين. 2) بن عطاء الله السكندري (1620 1309) متصوّف تأثر بأبي الحسن الشاذلي ويعتبر من أهم أركانه.