من أحسن تعريفات الاسلام أنه دين الحياء. تعمدنا لفظه «أحسن» لاشتقاقها من الحسن الذي يمثّل أعلى درجات الإيمان. فالإنسان المسلم يلتزم بتجنّب القبيح والسّيئ والبشع ليقينه أن اللّه يراقبه ويراه «وإن لم يكن هو يرى اللّه فإن اللّه يراه». وهو، إصطلاحا، خلق نبيل وزينة النفس ورافد من روافد التّقوى. في حديث للنّبي (صلعم) أخرجه الترمذي: «الحياء من الإيمان، والإيمان من الجنّة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النّار». فالحياء لغويا هو الإحتشام وخلافه هو البذاء أي الفاحش من القول(1) والحياء نوعان: نوع فطري وهو أمر مشاع بين كل بني البشر مهما كانت ثقافاتهم ودياناتهم. ونوع يكتسب بالتربية والتثقيف والتعويد على حبّ الجمال والتعلّق بالخير. ولقد ركّز الإسلام على هذا البعد الأخلاقي، الحياء، وجعل منه ثابتا من ثوابت الحياة، فرديّة كانت أم جماعيّة، إلى حدّ أن الحياء كان إحدى أكبر ميزات المجتمع الإسلامي. أحد أشهر كتاب فرنسا للقرن التاسع عشر أرتور غوبينو(2) والذي كان يدافع عن تفوّق حضارة الجنس الأبيض الأوروبي لم يستطع تجنّب الإعتراف بأن «القبح يغيب في العالم الإسلامي». هل مازال القبح غائبا أم صار حاضرا بقوة في كل مستويات حياتنا الإجتماعية، في الشارع حيث لا تكاد تسمع غير الكلام البذيء في الإذاعات والتلفزات التي تحوّلت إلى أنهج متفرّعة عن الشارع الكبير، في حواراتنا السياسية، وفي إنتاجاتنا الثقافية؟ أنا لا أدّعي أن «التديّن» بالمفهوم الرائج من تمظهر باللّحية أو الحجاب والاقبال على العبادات هو وحده الضامن للحياء وما يترتب عنه من تسامح ونبذ للعنف ومن إقبال على الجمال. لكن ما هو متأكد أن معرفتنا بثقافتنا الإسلامية في بعدها الروحاني لممّا يجنّبنا القبح والبشاعة ويدفعنا إلى التواضع ويولّد فينا حبّ الجمال والكمال والشعور بالسّكينة. وعلى المدرسة والأسرة يتوقّف اكتمال بناء مواطنة سليمة من آفات العنف والانحراف والبذاءة. فالحياء ليس مطلبا أخلاقويّا وليس إطلاق إحكام أخلاقية. وإنما هدفنا الوقوف عند قيم ديننا الحنيف التي منها الحياء هذه اللفظة التي أصبحت غريبة في لغتنا. فالحياء هو صفة من صفات الأنبياء والرسل. والنبي محمد (صلعم) عُرف بهذا الخلق واشتهر به حتى قال عنه أبو سعيد الخذري: «كان النبي صلى الله عليه وسلم أشدّ حياء من العذراء في خدّها»(3) وكذلك النبي موسى عليه السلام. فعن أبي هريرة أن الرسول (صلعم) قال إن موسى كان رجلا حيّيا ستّيرا. وكان النبي يوسف عليه السلام متحليا بالحياة مثلما في الآية: ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ (سورة يوسف آية 24)وقد فسّر العلماء أن البرهان هو حياؤه من اللّه تعالى. فالحياء خلق حسن بل هو الخلق الحسن بامتياز حيث يقول الرسول (صلعم) في حديث رواه ابن ماجة: «إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ». فالحياء علامة الإيمان وآيته الكبرى كما يقول المتصوّفون. ويكون الحياء من اللّه، ومن النّاس، ومن النّفس. ومن الحياء أشتُقّ الإستحياء، والاستحياء يعني الخجل. وقد وردت لفظة الحياء والاستحياء عشر مرّات في القرآن الكريم ومنها الآية 25 من سورة القصص: ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾. يقول أحد أعلام التصوّف يحيى بن معاذ الرّازي: «من استحيا اللَّه مُطِيعًا، اسْتَحْيَا اللَّهُ تعالى مِنْهُ وَهُوَ مُذْنِبٌ». 1) ابن منظور: لسان العرب 2) Arthur de Gobineau: Essai sur l›inégalité des races humaines 3) هو أبو سعيد بن مالك بن سنان الخذري توفي سنة 74ه. صحابي من صغار الصّحابة فقيه وراوي أحاديث.