في خطوة مفاجئة بادر الدكتور محمد زين العابدين وزير الشؤون الثقافية الثلاثاء الماضي (12 جوان) بإنهاء إلحاق المايسترو حافظ مقني مديرا وقائدا للأوركسترا السمفوني التونسي. تأسيس «أوركسترا أوبرا تونس» غايته تهميش الأوركسترا السمفوني ويرى الملاحظون أن هذا القرار يأتي على خلفية تلويح المايسترو حافظ مقني بالاستقالة يوم 22 جوان موعد افتتاح عروض الأوركسترا المسفوني التونسي للموسم الثقافي الحالي. وما يلفت الانتباه في قرار إنهاء مهام المايسترو حافظ مقني الذي قاد الأوركسترا السمفوني التونسي بحرفية واقتدار الخلاف بين الوزارة والأوركسترا السمفوني التونسي بدأت خيوطه تتوضح بشكل ملفت منذ مارس الماضي بدرجة أولى. أوركسترا أوبرا تونس: الشرارة الأولى اندلعت أولى شرارات الخلاف بإعلان الدكتور محمد زين العابدين ببعث أركسترا سمفوني تونسي ثان الى جانب الأوركسترا السمفوني التونسي العريق بتاريخه... وأطلق عليه اسم «أوركسترا أوبرا تونس» تحت إشراف مدينة الثقافة وخاص بها... وهو ما اعتبر تداخلا في المهام على اعتبار أن الأولوية تبقى للأوركسترا السمفوني التونسي الوجه الرسمي والأصلي للموسيقى العالمية في وزارة الشؤون الثقافية أسوة بالفرقة الوطنية للموسيقى والفرقة الوطنية للفنون الشعبية. ورغم ذلك واصل الأوركسترا السمفوني التونسي نشاطه الموسيقي وفق البرنامج المحدّد له رغم عديد الصعوبات التي اعترضت سبيله. المشروع الذي أنهى العلاقة لئن أمكن للأوركسترا السمفوني التونسي من الحصول على فضاء خاص به في مدينة الثقافة، فإن ذلك لم يشفع لهذا الأوركسترا من العمل بكل حرية حتى جاء المشروع الأوبرالي الضخم والذي كان سببا في إنهاء العلاقة بين الوزارة والأوركسترا السمفوني التونسي بقيادة المايسترو حافظ مقني. يقول في هذا الصدد المايسترو حافظ مقني ل«الشروق» في لقاء خاص به: «... انطلقنا منذ حوالي الثلاثة أشهر في إعداد وإنجاز مشروع موسيقي أوبرالي بالتعاون والاشتراك مع مسرح ترابني الايطالي ويتمثل هذا المشروع في تقديم عروض أوبرالية في المسارح الأثرية في تونسوإيطاليا وهذا المشروع بتمويل أوروبي والأوركسترا السمفوني التونسي طرف رئيسي ومساهم وفاعل فيه بشكل كبير. وتمّ الاتفاق في هذا الاطار على تقديم العرض قبل الأول لهذا المشروع الأوبرالي الضخم من خلال «أوبرا عايدة» في مسرح الجم وقرطاج وفي تنفيذ للأوركسترا السمفوني التونسي مدعم ومعزّز بعازفين من إيطاليا وقد انطلقنا في الإعداد منذ 3 أشهر من خلال التمارين بصفة فردية وبحضور العازفين الإيطاليين». تحويل الوجهة ؟ يقول المايسترو حافظ مقني: «منذ حوالي 3 أسابيع حضرت اجتماعا مع السيد وزير الشؤون الثقافية والمسؤولين عن أوركسترا أوبرا تونس... وطُلب مني التعاون مع أوركسترا أوبرا تونس لتكوين أوركسترا مشترك بين ا لفريقين (الأوركسترا السمفوني التونسي وأوركسترا أوبرا تونس) على أن يتم الاستغناء عن عدد من عازفي الأوركسترا السمفوني التونسي وتعويضهم بعناصر أخرى، كما طُلب مني الموافقة على أن يتم تقديم هذا العرض باسم أوركسترا أوبرا تونس». صمت المايسترو حافظ مقني لحظات ليواصل في ألم ظاهر: «رفضت هذه المطالب على اعتبار أنه مشروع مبتكر من الأوركسترا السمفوني التونسي ونحن نشتغل عليه منذ أشهر عديدة خاصة وقد تمّ بالتنسيق مع الطرف الإيطالي تحديد قائمة العازفين التونسيين والإيطاليين والكورال لهذا المشروع، ثمّ إنه أخلاقيا والكلام للمايسترو حافظ مقني لا يمكن لي إقصاء أي فرد من الأوركسترا السمفوني التونسي مادام ملتزما ومنضبطا، مؤمنا بالمشروع ومتحمّسا له... ثم هل من المعقول أن يتمّ تحويل وجهة مشروع أوبرالي ضخم أعطيناه جهدنا وعرقنا الى طرف آخر بكل سهولة، ومن هذا المنطلق اخترت الانسحاب من هذا المشروع الذي تمّ تحويل وجهته دون وجه حقّ الى أوركسترا أوبرا تونس». استهداف مباشر للأوركسترا السمفوني التونسي اعتبر المايسترو حافظ مقني أن تحويل وجهة المشروع الى أوركسترا أوبرا تونس استهداف مباشر للأوركسترا السمفوني التونسي لإفراغ هذا الصرح الموسيقي العريق من عناصره... وكشف المايسترو حافظ مقني «إنها ليست المرّة الأولى التي يتمّ فيها وأد مشروع مبتكر من الأوركسترا السمفوني التونسي من قبل وزارة الشؤون الثقافية، من ذلك أنه كان الرفض لمصاحبة الأوركسترا للفنان مارسيل خليفة في حفلاته بتونس ثم التعطيلات الإدارية التي أبطلت مشروع جولة فنية كبيرة للأوركسترا السمفوني التونسي في الصين وهذا ما جعلني مقتنعا أكثر من أيّ وقت مضى والكلام للمايسترو حافظ مقني أن الأوركسترا السمفوني التونسي أصبح مهدّدا في وجوده رغم تمكينه من فضاء بمدينة الثقافة لم يقدم الأوركسترا السمفوني التونسي سوى مشاركة صغيرة في اختتام الدورة الأخيرة لأيام قرطاج السينمائية وتمّ بالتالي حرمانه من تقديم عرض متكامل بمدينة الثقافة فكان أن لجأنا في كل عرض نقدمه الى قاعة الفن الرابع أو المسرح البلدي». ولا أذيع سرّا يقول المايسترو حافظ مقني أن المناخ أصبح متوترا صلب الأوركسترا السمفوني التونسي على اعتبار أن الموسيقيين لم يتسلّموا منذ أوت 2017 مستحقاتهم المالية من منح التمارين ومشاركاتهم في العروض هذا دون أن ننسى مطالبتنا بوضع كل امكانياتنا اللوجيستية والفنية على ذمة أوركسترا أوبرا تونس حتى وإن تطلّب ذلك إلغاء عروض الأوركسترا السمفوني التونسي. أغادر مرتاح الضمير وختم المايسترو حافظ مقني: «كان في الحسبان أن يقدم الأوركسترا السمفوني التونسي آخر عروضه بالنسبة الى الموسم الثقافي الحالي مساء الجمعة 22 جوان بالمسرح البلدي، لكن بعد قرار السيد الوزير بإنهاء الإلحاق أراني أغادر الأوركسترا السمفوني التونسي مرتاح الضمير، فخور بما قدمته وما قدمه هذا الأوركسترا على امتداد ما يزيد على الخمس سنوات من أعمال أوبرالية ضخمة ومتميّزة».