يتأكد من يوم إلى آخر أنّ تسارع الأحداث في البلاد لم يعد يبعث على الاطمئنان في مختلف المجالات، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا.وهو ما يضع الأطراف الفاعلة اليوم أمام حتمية الإنقاذ العاجل. تونس – الشروق – منذ عدة أشهر والأحداث تتسارع في تونس بشكل تنازلي حادّ. ولم تظهر أية بوادر لتحسّن الوضع وحلحلة الأزمات العالقة وذلك في مختلف المجالات. وهو ما يستدعي من الفاعلين حلولا عاجلة وسريعة لتفادي مزيد "الغرق". وضع خطير منذ فترة والبلاد تعيش في ظل أزمة سياسية حادة نتيجة الصراعات والتجاذبات المختلفة وخاصة نتيجة معارك "الكراسي" التي تحولت الى معارك شخصية من أجل خدمة مصالح حزبية وسياسية ضيقة دون أن تتضح آفاق ممكنة للحل. وهو ما أثر على بقية المجالات الأخرى. فعلى الصعيد الاقتصادي، تشهد أغلب المؤشرات والأرقام تراجعا خطيرا في ظل تواصل ارتفاع الأسعار وانهيار سعر الدينار وتراجع مخزون العملة الصعبة وتعطل الاستثمارات وضعف القدرات التنافسية مقارنة باقتصاديات دول أخرى. كما يشهد الوضع الاجتماعي حالة احتقان بسبب معاناة الفئات الضعيفة والهشة من ارتفاع الأسعار و البطالة ومن تردي الخدمات العمومية في الصحة والتعليم والنظافة والبنية التحتية والنقل، الى جانب ما تشهده معيشة المواطن عموما من تقلبات خطيرة مثل انقطاع مياه الشرب وفقدان بعض المواد الحساسة من السوق كالحليب والدواء والزيت النباتي وتواصل الفساد... أما أمنيا فقد اتجهت الأنظار أول أمس الأحد الى الحادثة الارهابية بغار الدماء والتي زادت من حجم المخاطر المخيمة على التونسيين. تحت الضغط العالي هذا الوضع المتقلب في مختلف المجالات زاد في رأي المحللين من حدة الضغوطات على السلطة بمختلف مكوناتها من رئيس الجمهورية الى رئيس الحكومة وكذلك البرلمان وجعلها أمام خيار وحيد. وهو الإصلاح والإنقاذ العاجل تفاديا لمزيد التعطيل والإرباك.. فمحاولاتها طيلة الأشهر الماضية في إطار ما يُعرف بمسار قرطاج 2 انتهت بالفشل بعد تعليق المشاورات ومواصلة الحكومة مهامها وسط حالة من "الاحتقان" السياسي ومن التململ والإرباك والانقسام بين من يدعو الى إنهاء مهامها ومن ينادي بالاستقرار الحكومي. قرطاج 2 أمام حالة انسداد الآفاق أمام الأطراف الفاعلة، يقترح ملاحظون استئناف المشاورات حول وثيقة قرطاج 2 التي جاءت بنودها متكاملة في رأيهم بما أنها شملت كل المجالات. ولم يبق غير التزام الحكومة بتنفيذها خاصة الإصلاحات العاجلة الواردة بها والتزام بقية الأطراف بتسهيل مهامها. انتخابات 2019 الى جانب ذلك يرى متابعون أن انتخابات 2019 أصبحت تمثل بدورها سببا من أسباب الأزمة الحالية، بعد أن أصبحت أنظار كل السياسيين متجهة نحوها منذ الآن. كما طغت عليها أيضا الحسابات والمناورات والتنافس السابق لأوانه بطرق ملتوية عوضا عن التنافس عبر البرامج والمشاريع الانتخابية. وهو ما دفع بالمشرفين على وثيقة قرطاج 2 قبل تعليق العمل بها الى الدفع نحو خيار التزام يوسف الشاهد وأعضاء حكومته بعدم الترشح لهذه الانتخابات. وكل ذلك ضمانا لاستقرار البلاد وتفاديا للمزيد من الاحتقان السياسي الذي قد يتسبب فيه تمسكه بالترشح بالتوازي مع مزاولة حكومته عملها. ويرى الملاحظون أنّ هذا الحل يمكن أن يكون طريقا نحو حلحلة الأزمة مثل ما حصل مع حكومة الباجي قائد السبسي في 2011 وحكومة مهدي جمعة في 2014 . فجانب كبير من حالة الاحتقان السياسي السائدة حاليا سببها الخوف من أن يستغل أعضاء الحكومة مناصبهم لخدمة حملاتهم الانتخابية بطريقة سابقة لأوانها. وهو ما لا يخدم التنافس السياسي النزيه والعادل. وقد يتسبب في إرباك الحكومة نفسها وتعطيلها عن أداء مهامها طيلة ما بقي من فترة عهدتها. ويمكن حسب المتابعين أن يتولى رئيس الحكومة نفسه توضيح هذه المسألة في أسرع وقت. وعندئذ يمكن تفعيل وثيقة قرطاج 2 على أسس صحيحة وسط حالة من الهدوء السياسي واتضاح الرؤية لدى بقية السياسيين ويكون دافعا للحكومة الى العمل من أجل مصلحة البلاد والشعب دون التفكير في أية مصالح أخرى على حساب المصلحة الوطنية. تغيير النظام الانتخابي من الإصلاحات العاجلة الأخرى المطلوبة قبل حلول 2019 تلك المتعلقة بالنظام الانتخابي. حيث يؤكد المختصون على ضرورة مراجعة هذا القانون قبل انتخابات 2019 بعد أن تأكد تسببه في نسبة كبيرة مما تعيشه البلاد اليوم من تقلبات لأنه يتسبب في حالة من الضبابية على مستوى السلطة. ولا يعطي الحق للطرف الفائز فعلا أن يحكم ويتحمل مسؤولياته كاملة.