مع صعود رونالد ريغان إلى البيت الأبيض تدهورت العلاقة بين ليبيا و الولاياتالمتحدة بعد أن اتخذ الرئيس الاربعين للولايات المتحدة من مزاعم تدخل ليبيا في الشؤون الافريقية وتهديد مصالح امريكا بدعم الجماعات الارهابية وعلاقته الوثيقة مع السوفيات ذريعة للضغط على النظام الليبي و العمل على اضعافه و استهدافه. أصبح عداء ريغان للقذافي أكثر حدّة خصوصا في ربيع عام 1986 حين تعرض بيت القذافي في باب العزيزية الى هجوم أمريكي بناء على ادعاءات أمريكية تقول بأن الأجهزة الليبية متورطة في تفجير ملهى ليلي بالعاصمة الألمانية برلين، وهو التفجير الذي أدى إلى مقتل وإصابة عسكريين أمريكيين. ورغم إجلاء أسرة القذافي قبيل الهجوم بقليل فإن القنابل التي ألقتها الطائرات الأمريكية أدت الى مقتل ابنة القذافي بالتبني هناء ذات الأربع سنوات وإصابة اثنين من أبنائه، وقد أمر العقيد بالإبقاء على آثار الهجوم على الجدران حتى تكون شاهدا على الغارة، وأطلق على البيت اسم "دار المقاومة" و"بيت الصمود" وأقام أمامه نصبا يمثل قبضة يد ذهبية كبيرة تسحق طائرة أمريكية. وينقل الكتاب الصادر حديثا عن دار نشر بريطانية ومن اعداد دانيال كوازتشنسكي، نائب برلماني عن دائرة شروزبري اند اتشام - عن حزب المحافظين ورئيس اللجنة البرلمانية لكل الاحزاب حول ليبيا عن عدد من المسؤولين والمعارضين الليبيين قوله ان الهجوم على باب العزيزية ادى الى حالة من الفوضى في البلاد. ويرى الكاتب البريطاني ان القصف الامريكي على ليبيا حصل في نفس اللحظة التي بدأ فيها النظام الليبي بتحسين علاقاته مع العالم خاصة الغرب مشيرا الى أن هذا لم يحدث الا بعد انهاء ملف لوكربي واقتناع العقيد الليبي بمحاكمة المشتبه بعلاقتهم بلوكربي في بلد محايد ثم جاءت هجمات سبتمبر 2011 حيث وضعت ليبيا على قاعدة واحدة مع امريكا وبريطانيا لمواجهة الخطر الجديد الذي تمثله القاعدة. ويربط الكاتب البريطاني الهجوم الأمريكي على ليبيا بمصالح الولاياتالمتحدة في الخارج وصورتها المهتزة كدولة عظمى وخسارتها حلفائها شاه ايران وانتصار ثوار السانديستا وفضيحة «ايران قايت» وشك امريكا، حسب بوب وودورد في تقرير له عام 1981 في أن النظام الليبي خطط لاغتيال ريغان نفسه وذلك بناء على معلومات عميل اثيوبي عن اجتماع عقد في اديس ابابا مع منغستو هيلا مريام، تحدث فيه الاخير وقادته عن خطة القذافي في هذا الاتجاه. ويبدو ان النظام الليبي كان يرد على دعم واشنطن لجماعات المعارضة التي حاولت الانقلاب على القذافي الذي يصفه ريغان ب"الكلب المصروع"، بحسب ما جاء في الكتاب البريطاني. في تلك الاجواء العاصفة اشتهرت في ليبيا أغنية تقول كلماتها: "ريغان يا راعي البقر.. الشعب الليبي كله حر" لتعكس درجة كبيرة من الكراهية بين القذافي والرئيس الأمريكي الأسبق الذي كان أكثر رؤساء أمريكا استفزازا للقذافي مثلما يروي قذاف الدم. يقول قذاف الدم في شهادته: لقد كان ريغان سيئا، وجرى في عهده، الهجوم الأمريكي على ليبيا وعلى مقر القذافي في باب العزيزية في طرابلس" وفيما يتعلق بالهجوم على بيت معمر القذافي، يقول قذاف الدم : "كانت لدينا معلومات بأن هناك ضربة على معسكر باب العزيزية، ومعلوم لدينا موعدها. معمر رفض أن يغادر باب العزيزية.. وأنا وقتها كنت في معسكر طبرق. وكان لدي معلومات أيضا.. كنا جاهزين، لكن وسائل التقنية المتقدمة التي كانت لدى أمريكا، أبطلت الدفاع الجوي الليبي بالكامل قبيل الهجوم.. استخدموا عشرات الطائرات لضرب بيت معمر ومطارات طرابلسوبنغازي وبعض الأحياء في بنغازي، وغيرها". كانت نقطة الخلاف بين ليبيا وأمريكا واحدة من نقاط التنافس بين المعسكرين الغربي والشرقي، لكنها كانت أيضا ترتكز أساسا على قضية تعود لعام 1973 حول رفض واشنطن الاعتراف بملكية خليج سرت الغني بالنفط لليبيا والواقع على الساحل الشمالي للبلاد بطول نحو 800 كيلومتر. وتؤكّد وثائق أمريكية أن ريغان، لدى وصوله الى السلطة، بدأ يبحث عن ذرائع لاستهداف نظام القذافي و اضعاف الدور الليبي الخارجي، وعليه قامت الطائرات الأمريكية باختراق المجال الجوي لخليج سرت وردت ليبيا بصواريخ الدفاع الجوي. قبل أن تتجدد في العام الموالي المواجهات بين الطائرات الحربية الليبية والأمريكية فوق الخليج. وبعد مناوشات استهدف فيها كل طرف أهدافا للطرف الآخر، أعلنت ليبيا في عام 1986 أن حدّ مياهها الإقليمية في خليج سرت هو خط عرض 32، وبدأت في تسيير زوارق حربية طائرات مقاتلة، ونصب صواريخ متطورة، وتمكنت من استهداف طائرات أمريكية، وإسقاطها. وكان قد حدث بالتزامن مع ذلك اتهام أمريكا لليبيا بتفجير ملهى في برلين قُتل فيه جنديان أمريكيان. والى حلقة قادمة