تونس واشنطن «الشروق» من مبعوثنا الخاص نجم الدين العكاري تبدو أمريكا هذه الأيام، بعد مضي أكثر من ثلاث سنوات من احداث 11 سبتمبر، تحت وقع الخوف والريبة، وهو خوف أفلحت إدارة بوش في وضعه في قلوب الأمريكان، وفي توظيفة كورقة انتخابية رابحة. ويمكن لزائر الولاياتالمتحدةالأمريكية ان يتلمّس هذا الخوف منذ أن تطأ اقدامه أرض المطار، بل قبل ذلك، إذ شخصيا رأيت ان التفتيش والاجراءات الأمنية المشددة انطلقت من مطار شارل ديغول الفرنسي، إذ كان أعوان الشرطة يطلبون من المسافرين، كل المسافرين، ان يخلعوا جمازاتهم وأحزمتهم وأحذيتهم قبل المرور عبر البوابات الالكترونية، وأحيانا تفتيش الحقائب يدويا وببعض التجهيزات الخاصة. في مطار واشنطن مررت وزميلتي بالشرطة بسرعة، رغم أنني وصلت غداة احياء الذكرى الثالثة لأحداث 11 سبتمبر، لكن بعد أن استعرضت بصماتي وتم تصوير عينيّ الكترونيا. وفي المقابل تعرض بقية الوفد العربي القادم من بلدان أخرى إلى توقيف دام بعض الساعات، قبل أن يسمح لهم بالتحول رغم أنهم كانوا يحملون دعوات ومكاتيب من سفارات الولاياتالمتحدة في بلدانهم تدعو إلى تيسير دخولهم. في الحافلات والمطاعم الخوف تتلمسه أيضا في كافة وسائل النقل العمومية من حافلات وميترو إذ تسمع من حين لآخر صوتا هاتفا يقول «إذا رأيت حقيبة أو لفافة جرائد مهملة فاسرع باعلام الشرطة أو أعوان القطار» كما تكتب هذه الجملة أو ما يعادلها على بطاقات الركوب والتذاكر. وتحس وأنت في الحافلة أو الميترو ان الكل يراقب الجميع خوفا من المجهول ربما. في المطاعم، يتجدد نفس الخوف، ووقفت على ذلك عندما وضعت زميلة لي بعض الصحف والمجلات على طاولة لحجزها وذهبت لتدفع ثمن ما ستأكله، وفجأة انقض نادل على اللفافة يتفحصها ويبحث عن صاحبها ويستعد للخروج بحثا عمن تركها، وربما لالقائها بعيدا. وفي كل المقرات الرسمية، وحتى بعض الصحف الكبرى، يتعرض الغريب إلى فحص ومراقبة أمنية مشددة مثلما يحدث في المطارات وعشنا ذلك في مقر وزارة الخارجية ووزارة الخزانة (المالية) رغم وجود أسمائنا وصفاتنا ونبذة عن حياتنا لدى مصالح الاستقبال بصفة مسبقة. ويقول عديد المراقبين والناخبين الذين التقيانهم أن بوش سيستفيد من عامل الخوف لأن المواطنين يبحثون عن رئيس أو إدارة قادرة على توفير الأمن والطمأنينة لهم، وبدا للكثيرين ان بوش هو «الكابوي» القادر على هزم «الارهاب» و»الارهابيين» في كل مكان ومحاربته خارج الولاياتالمتحدة. وشدد أكثر من محلل ومراقب، ان زيارة رئيس الحكومة العراقي اياد علاوي خدمت بوش كثيرا إذ ان تصريحاته وخطبه صبت في اتجاه ان الولاياتالمتحدة وادارة بوش حققتا الاستقرار في العراق بل انه أكد انه لو كان صدام موجودا في الحكم «لواصل دعم الارهابيين والقيام بعمليات ضد الولاياتالمتحدة». الضغط اليهودي وإضافة إلى انتشار الخوف وطغيان الهاجس الأمني فإن أمريكا تعيش تحت ضغط اللوبي اليهودي ليس فقط في إدارة بوش ومواقع القرار فقط بل وعلى الصحف والصحافيين وهو ما أكده العديدون في ابرز الصحف واكثرها انتشارا. ويقول ماركا داهوسا نائب رئيس تحرير جريدة «شيكاغو تريبيون» (تصدر أكثر من 600 ألف نسخة يوميا) «ان هناك منظمات يهودية تعمل ضد هذه الجريدة وتنظم حملات مقاطعة للاشتراك فيها والاعلان على صفحاتها». ويضيف زميله المكلف بالشؤون الدولية ان «الاسرائيليين دائمو الشكوى من التغطية الاعلامية لاحداث الشرق الأوسط، ويصفوننا بمساندة العرب وبمعاداة السامية، كلما كتبنا بموضوعية وعدم تحيز». أخبار مقاطعة اليهود للصحف رواها لنا بعض الصحفيين العاملين في جريدة «وال ستريت جورنال» أشهر الصحف الأمريكية والعالمية (التي تصدر 1.8 مليون نسخة يوم الأحد و1.2 مليون نسخة باقي أيام الأسبوع). ان «اليهود نظموا سلسلة من المقاطعات للجريدة لأننا كتبنا لصالح الفلسطينيين ولم نتحيّز للاسرائيليين». ولا يخفى بعض صحفيي هذه الجريدة ان «المسؤولين الحكوميين يحاولون الضغط علينا لاخفاء بعض الحقائق ويعتقدون ان لهم علينا سيطرة لكننا لم نرضخ لهم وتعلمنا دروسا كثيرة، وأصبحنا نعبّر عما نراه سليما وصحيحا». ويقول صحفيو «وال ستريت جورنال» انهم اعترفوا بأخطائهم في مساندة الحرب على العراق وانهم قاموا بتعريف الشعب الأمريكي ان الأدلة كانت خاطئة ومضللة وان الحرب لم تكن الحلّ الأصلح. تغيير الصورة وتبدو الفرصة مواتية جدا والأرضية خصبة للعرب في أمريكا وخارجها للعمل على تغيير الصورة الخاطئة عن العرب والمسلمين وللضغط على الادارة الأمريكية، مهما كان انتماؤها، لتغيير سياساتها في المنطقة، لكن العرب والمسلمين فشلوا في تكوين لوبي قوي ومؤثر، رغم وجود شخصيات فاعلة بدأت تتفهم وجهة نظر العرب والمسلمين، وهو ما أكدته لنا مارغريت تيتويلر السفيرة السابقة للمغرب (التي استقالت قبل شهرين من الخارجية لتلتحق بوظيفة هامة في بورصة نيويورك) التي شددت على انه على الأمريكيين ان يفهموا وجهة نظر البلدان العربية، وأضافت انها تعلمت كثيرا من عملها في البلدان العربية وانها ستستخدم ما تعلمته لتعريف الأمريكان بالصفات العربية الحقيقية وبالدين الاسلامي وتعاليمه بعيدا عن الشبهات التي الصقت به.