بعيدا عن كلّ ما طبع الجلسة البرلمانيّة ليوم أمس، من حديث عن إكراهات وضغوطات وتصعيد الخلافات على أكثر من صعيد ورغبات التموقع والربح السياسوي ومغالطات وتهريج في الكثير من الخطابات والمداخلات وتذبذب في العديد من المواقف ونوايا واضحة لتصفية الحسابات الضيّقة المتعلّقة بالأزمة السياسيّة الراهنة، رغم ذلك كلّه حضرت الحكمة في الانتصار لمبادئ أساسيّة ضامنة لاستمرارية جيّدة ومريحة لأهم جهاز تنفيذي في الدولة وإبعاده قدر المستطاع عن واقع التجاذبات حتى يقوم بدوره المحوري والهام في أمن البلاد ومقاومة كل أشكال الجريمة والتعدّي على القانون والتقدّم خطوات أخرى في مجابهة ظاهرة الإرهاب التي ما تزال تهدِّد بلادنا. برغم حدّة الصراع السياسي التي بلغت في الكثير من الأحيان درجات عالية من التوتّر وبرغم ما لفّ مسألة عرض الوزير الجديد على البرلمان من التباس وتأويلات وتعدّد للقراءات، عكست تدخلات النواب يوم أمس ما يُحظى به الوزير الجديد من احترام وتقدير واسعين وتنويه برصيده وتجربته المهنيّة والإداريّة بما خرجت أمس وزارة الداخلية مبدئيا بسلام وأمان من معترك صعب جدا دفعت عدّة أطراف الى أن يكون معتركا لكسر العظام. والمسؤولية بداية من اليوم هي مسؤولية الوزير الجديد الذي عليه أن يكون فوق التجاذبات والحسابات السياسيّة والحزبيّة وأن يعمل بما عُرف عنه من هدوء واتزان وأن يستثمر توافق الأحزاب الكبرى، وخاصة حزبي النهضة والنداء، من أجل مزيد تمتين الأداء الأمني وتثمين المكاسب والإنجازات التي راكمها زملاؤه السابقون وصمّ آذانه عن كل ما من شأنه أن يمسّ وحدة الأجهزة الأمنيّة المختلفة، وأن يحرص على تأمين خطط عاجلة لتمتين الصِّلة بين رجل الأمن والمواطن وتجنيب البلاد كل مظاهر التوتّر والتجاوزات. نعم، هذا هو المطلوب الآن، أن يسير الوزير الجديد بالوزارة في طريق صحيح تحييدا لها عن كلّ مظاهر التشويش وإرادات الشد والجذب، خاصة أنّ الأزمة السياسيّة ما تزال ماثلة. وقد تعرف تطوّرات أخرى على ضوء ما كشفته جلسة البرلمان أمس من تجاذب حاد واستقطاب عنيف ورغبات في مواصلة الخصومات الحزبيّة والسياسيّة وما يُنتظر من مآلات الصراع داخل نداء تونس ومستقبل التوافق بين الحزبين الأغلبيين ومصير اجتماعات السبعة الكبار أو وثيقة قرطاج 2. لقد توفّرت لوزير الداخلية فرصة حقيقية لكي يتحرّك بأريحيّة ويتحلّى بالشجاعة المطلوبة والإرادة القويّة. إذ مُنح الثقة في قمّة أزمة سياسيّة خانقة. وهذا معطى مهم يدفعه دونما شكّ الى مسك المقود الأهم في الجهاز التنفيذي الحكومي وأن ينحت لنفسه تجربة ناجحة في إدارة الوزارة الأهم في البلاد بثقة في قدراته وفي الدعم الذي لقيه من الأحزاب والكتل البرلمانية المختلفة.