عاجل/ العدوان على غزّة: مفاوضات جديدة في قطر دون شروط مسبقة أو مقترحات    عاجل/ قمة بغداد: عبّاس يدعو المقاومة الى تسليم سلاحها    مصر.. تحقيق في حادثة مشجع "رقص عاريا" احتفالا بالفوز    كاس العالم للاندية في كرة اليد.. "مشاركة الترجي" تكشف تفاقم الأزمات بين الأهلي والزمالك    قربص.. البحر يلفظ جثة امرأة مجهولة الهوية    المرشد الايراني.. إسرائيل ورم سرطاني خطير وقاتل سيتم اقتلاعه من جذوره    قضية رحمة لحمر: أصابع الاتّهام موجّهة إلى 31 شخصا    حادث مرور قاتل في القيروان.. #خبر_عاجل    النفيضة: سيدي سعيدان تحتفل بثروتها الخزفية    وزير التجهيز: تقدم نسبة أشغال طريق قربص بنسبة تجاوزت 80%    الملعب التونسي: 5 لاعبين يعودون ضد النجم    تونس: شلل في حركة الميترو رقم 1 و 6    ذعر بواشنطن.. الحوثيون كادوا يُسقطون طائرة إف-35    عاجل/ تشمل حمادي الجبالي وفتحي دمّق: تطورات جديدة في قضية التخطيط لعمليات اغتيال    جندوبة: يوم مفتوح لتحسيس وتقصي أمراض الكلى    عاجل/ أكثر من نصف سكّان تونس يُقيمون في هذه المناطق..    تونس الكبرى والساحل في الصدارة: تفاصيل توزيع السكان في مختلف الجهات    المعهد الوطني للإحصاء: تونس تتّجه نحو التهرّم السكاني    مجموع السكان في تونس بلغ 11.972.169 ساكنا    عاجل/ تعداد سكّان تونس: الإناث يتجاوزن الذكور بهذه النسبة..    دراسة: المشي يخفض خطر الإصابة ب 13 نوعا من السرطان    وفد صيني يزور القيروان    تونس: مشروع قانون جديد لتنظيم التسويق الإلكتروني في تونس    برنامج مقابلات ربع نهائي كأس تونس لكرة القدم    حكومة الوحدة الوطنية الليبية تنفي استقالة وزراء    "موديز" تخفّض التصنيف الائتماني لأمريكا والبيت الأبيض يرُد بحدّة.. #خبر_عاجل    اليوم..انطلاق أعمال القمة العربية في بغداد    حالة الطقس اليوم السبت    تونس تعرب عن استعدادها لتكون أرض التلاقي بين الأشقاء الليبيين من أجل حوار ليبي – ليبي برعاية بعثة الأمم المتحدة    صفاقس عرض "وشام" في افتتاح تظاهرة "جذور وأجنحة"    أي مستقبل للمؤثّرين؟    لماذا تستعر نار التشكيك في ثوابت الأمة العربية الآن وبكل حدة؟ حلقة 2    الرابطة 2 (الجولة 25): شبيبة القيروان تواصل الصدارة في المجموعة الثانية، وصراع مشتعل على البقاء    نهائي كأس تونس لكرة القدم يوم 1 جوان في ملعب رادس    أخبار الحكومة    سيدي بوزيد: تتويج مدرسة السبالة بالجائزة الاولى في الملتقى الجهوي للمسرح    قرارات الرابطة الوطنية لكرة القدم المحترفة    الأسبوع القادم الإعلان عن السعر المرجعي للأضاحي بالميزان    أحوال طقس الليلة    تونس تستعد لاحتضان المؤتمر العالمي للغرفة الفتية الدولية في نوفمبر 2025    "مغرب الفكر والإبداع": عنوان ندوة فكرية تقام بباريس يوم 20 ماي 2025    الهيئة الوطنية للسلامة الصحية تحجز كميات كبيرة من المواد الغذائية غير الآمنة في عدة ولايات    الملتقى العربي للنص المعاصر من 23 إلى 25 ماي 2025    الميزان التجاري الغذائي : تراجع الفائض ب54%موفى أفريل 2025    الاتفاق مبدئيا على اعتماد 21.900 سعر الكلغ من أضاحي العيد    استعدادات استقبال موسم حج لعام 1446هجرية...تفاصيل    جمعية مرضى الأبطن تطالب الدولة بالاعتراف بداء الأبطن كمرض مزمن    موعد وقفة عرفات 2025...فضل الدعاء والأعمال المستحبة في هذا اليوم    زغوان: انطلاق أشغال ترميم قوس النصر الجنوبي    جريمة مروعة: شاب يقتل صاحب مقهى والسبب لا يصدق..!!    عاجل/ منظمة الدفاع عن المستهلك تُحذّر من بيع أدوية خطيرة مجهولة المصدر عبر وسائل التواصل الاجتماعي..    عاجل/ رئيس الغُرفة الوطنيّة للقصّابين يفجرها بخصوص أضاحي العيد..    دعاء يوم الجمعة للأبناء وزيادة الرزق    عاجل : ارتفاع قياسي في الحرارة بداية من هذا اليوم.. حضّروا رواحكم ''للسخانة''    نجا الجميع بأعجوبة: أب يحاول حرق أسرته ليلاً فيُواجه حكما ب7 سنوات سجن!    السيجومي: 12 سنة سجناً لمروّج مخدرات في الوسط المدرسي    برشلونة يحسم لقب البطولة الإسبانية للمرة 28 في تاريخه    بين رغبة العائلة وحنين الأصدقاء.. عيد ميلاد عادل إمام يثير الجدل    









تحاليل "الشروق" :النهضة تُعيد تشكيل المشهد السياسي:حسابات الربح والخسارة ومنسوب الطمأنة والمخاوف
نشر في الشروق يوم 31 - 07 - 2018


تونس (الشروق)
لا شكّ في أنّ مواقف حركة النهضة مؤخرا حيال العديد من القضايا والملفات قد وجّهت الى حدّ كبير المشهد السياسي. وفرضت عليه إعادة تشكّل على قواعد جديدة أبرزها الاصطفاف الواضح اليوم خلف مقولة «الاستقرار السياسي والحكومي» و»سدّ الشغور» على رأس وزارة الداخليّة وطبخ التحوير الحكومي على نار هادئة بدلا عن التغيير الشامل والإطاحة برئيس الحكومة.
من التوافق المُسبق إلى الأغلبيّة المريحة
غير أنّ اللافت للنظر في حصاد التوجّهات النهضويّة الأخيرة أنّها ساهمت في إعادة الفعل الحكومي وإدارة السلطة إلى مربّع الأحزاب السياسيّة عبر مُمثليها في مجلس نوّاب الشعب وتقليم أظافر اللوبيات ومجموعات المصالح المالية والاجتماعيّة والنقابيّة في فرض خيارات وسياسات الدولة. وتمّ ذلك بسحب سلطة القرار في الشأن الحكومي من فضاء وثيقة قرطاج 2 وطاولة السبعة الكبار والعودة به إلى أسسه الدستوريّة ومنطق الاحتكام إلى إرادة الأغلبيّة البرلمانيّة.
هكذا إذن دفعت النهضة الحياة الوطنية إلى أفق جديد سيكون حتما ممهّدا لتفاعلات أخرى منتظرة تهمّ الأوضاع داخل الأحزاب، وخاصة منها حزب نداء تونس وتفرّعاته، والعلاقات الحزبيّة ومستويات التوافق المأمولة لاستكمال ما بقي من أسس المرحلة الانتقالية من عدمه وبالأخص منها المحكمة الدستوريّة والهيئات المستقلّة وإيجاد بديل قادر على إنهاء مسار العدالة الانتقالية.
بإرادة من النهضة بَارَحت الحياة الوطنية في بلادنا مربّع هواجس الخوف والحذر التي كانت تدفعُ دفاعا نحو التنازلات المتبادلة والبحث عن تفاهمات لإدارة الشأن العام بمنطق يكاد يكون معدا مسبقا وعلى مقاس توجّهات الحزبين الكبيرين أو الأصح رغبات الشيخين السبسي والغنوشي قاطرة التوافق التي بدأت في لقاء باريس في أوت 2013. ولكن فجأة انقلب المشهد في اتجاه خلخلة أركان ذلك التوافق والذهاب به في مطب الاستفسارات والتساؤلات التي تتخوّف أساسا من حدوث منعرجات خطيرة قد تمسّ من حالة الاستقرار السياسي النسبي وتكبّل أداء مؤسّسات الدولة وتعطّل الحياة الوطنية وتقف حجر عثرة أمام استكمال لبنات الانتقال الديمقراطي.
الآن، وبعد مستجدات منح الثقة لوزير الداخلية الجديد هشام الفوراتي، من العرض الى المصادقة البرلمانية، وما رافقها من تفاعلات وتجاذبات، هل يُمكن القول إن حركة النهضة ماضية في تنفيذ مقتضيات المنافسة الديمقراطية الأصليّة مثلما هي مألوفة لدى سائر المجتمعات الحرّة ومثلما هو مدرج بالدستور وسائر التشريعات والقوانين؟ مقتضيات لا سلطان فيها إلاّ للمغالبة والمنافسة وحصاد عمليات التصويت والانتخاب ومنطق الأغلبية والأقلية ولا تُراعي في كل ذلك موازين القوى على أرض الواقع ومتطلبات تجربة سياسيّة ما تزال هشّة ومهزوزة الأركان من حيث ضعف البناء الحزبي وضبابيّة مستقبل العملية الانتخابية في ظل ما تعانيه هيئة الانتخابات ومن صعوبات وحدّة الصراعات الجارية منذ فترة صوب قصر قرطاج استعدادا لمرحلة ما بعد الباجي قائد السبسي.
مكاسب وحصاد وفير ولكن...
إنّ قراءة إفرازات ما تمّ جنيه من جلسة منح الثقة لوزير الداخلية وما سبقها من عراك وتجاذب ولي أذرع، يمنحُ النهضة دونما شكّ الحصاد الأوفر. حيث ظهرت برؤية واضحة ودقيقة وذهبت رأسا دون تردّد أو ارتباك لتحقيق أهدافها المُعلنة في رفض التغيير الحكومي الشامل والتمسّك برئيس الحكومة يوسف الشاهد. وربما أيضا حققت أهدافا أخرى غير مُعلنة في علاقة بنفوذ المحيطين برئيس الجمهورية والدور السياسي للاتحاد العام التونسي للشغل. وضمنت مكاسب دعائيّة داخليّة وخارجيّة هامة ليس أقلّها:
1 - الظهور بمظهر المدافع عن الدولة والاستقرار والقادر على تنفيذ توجّهاته حتى في الأوقات العصيبة وفترات الأزمات الخانقة.
2 - إزاحة طوق الاتهامات التي يحرص خصومها الى التلويح به مرارا وتكرارا ففكّت بذلك عزلتها وحققت انفتاحا على كتل برلمانية أخرى.
3 - إعادة سلطة القرار والحسم إلى مربّعها الدستوري والسياسي تحت قبّة مجلس النواب.
4 - قبول جيّد من قطاعات واسعة من الرأي العام لوجهة نظرها حيال الاشكالات الحاصلة وطرق الإصلاح الممكنة التي تأسّست في المقولة النهضويّة على ضرورة السعي إلى تغيير الواقع بدل السير في نهج تغيير الحكومات.
فالجميع وجد نفسه أمام حزب سياسي بأتم معنى الكلمة، يتحرّك، ويُناور، ولا يستسلم، وبمعنى البرغماتية السياسيّة يصل في النهاية الى تحقيق مبتغاه وفرض وجهة نظره ويُجرّ خصومه جرّا إلى حيث يشاء.
مخاوف ومحاذير
لكنّ الحصاد الحزبي والوطني الإيجابي الذي حققته النهضة لا يُخفي إرهاصات لمخاوف فعليّة من مجريات العملية السياسية مستقبلا، وخاصة في القدرة على فرض المواعيد الانتخابية في مواعيدها الدستوريّة المضبوطة.فهذا الأمر يحتاجُ الى مسار جديد من التفاوض والتشاور مع بقية الأطراف لإيجاد حلول لمعضلات وتحديات حقيقية بدأت تظهر للعيان وسط ما يعترضُ مسار العدالة الانتقالية من صعوبات تحول بمعطيات الواقع الجديد دون استكماله وبلوغ هدف المصالحة الوطنية الشاملة ووسط أيضا تكثّف الحديث عن ضرورة إصلاح النظامين السياسي والانتخابي على اعتبارهما المصدر الأساسي لأزمة الحكم.ولكن أبرز المحاذير هو حالة الإنهاك القصوى التي بلغها المشهد الحزبي خاصة في ظل حالة الارتباك التي يعيشها حزب نداء تونس الذي يمر بفترة حادّة جدا قد تخفّض من دوره السياسي والوطني في القريب العاجل. وهو الأمر الذي يُعيد إلى السطح معضلة غياب التوازن السياسي واستشراف منافسة انتخابيّة السنة القادمة برأس واحدة تلتهمُ الكل وشتات لا يُسمنُ ولا يُغني من جوع.
وبالإضافةالى كلّ ذلك:
هل انتهت الأزمة السياسيّة والخلاف حول الحكومة والتباين بين رأسي السلطة التنفيذية بعد جلسة منح الثقة لوزير الداخلية أم أنّ الأزمة ما تزال ماثلة وعلى الجميع بمن فيهم النهضة إيجاد حلول عاجلة لها؟
هل أنّ منهج المغالبة (الأغلبيّة والأقليّة وعدّ الأصوات) قادرٌ على تأمين مسارات جيّدة من الآن الى أفق الانتخابات العامَّة المقبلة؟
كيف سيتم التعاطي مع الفخاخ المنصوبة في مساري الانتخابات العامَّة والعدالة الانتقالية والألغام المزروعة في تقرير لجنة الحقوق والحريات التي ترعاها رئاسة الجمهوريّة؟
النهضة تتقدّم وتحقق مكاسب حزبيّة وسياسية. ولكن هناك من المؤشرات ما يُوجد قدرا من المخاوف والمحاذير تجاه تجربة ما تزال هشّة وضعيفة البنيان تحتاج إلى قدر من الترفّق وكظم الغيظ وخفض منسوب الانتشاء بالنصر أو الزهو به وتحتاجُ أكثر ما تحتاج الى استدامة عناصر الوحدة الوطنية وما تقتضيه من رصّ الصفوف والتوافق حول القضايا والمشاغل الكبرى سواء أكانت سياسية أم اقتصادية واجتماعيّة. فالطريق ما يزال طويلا وشاقا على ما يبدو من مؤشرات ومعطيات العديد منها انكشف خلال الجلسة البرلمانية الأخيرة.
هناك اليوم عناصر جديدة للتهدئة وتوفير قدر من الارتياح والطمأنينة جاءت أساسا من توجّهات ثابتة للنهضة. ولكن الخوف كلّ الخوف من أن تكون معركة منح الثقة لوزير الداخليّة مجرّد محطّة وشوط واحد فقط من أشواط معركة أكبر ما تزال عدّة أطراف مندفعة إليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.