حين يتعلق الأمر بارتفاع الأسعار.. وحين يكتوي المواطن بنيرانها المستعرة.. وحين يحتاج خلق الله الى تدخل فاعل وناجز من الحكومة ومن أجهزتها لتهدئة الأسعار وإيقاف عبثها وتلاعبها بجيوب الناس.. وفي هذه الأوقات تكتفي الحكومة بممارسة الغياب زمن الحضور. وتلوذ بسياسة موغلة في السلبية عمادها انتظار مرور العاصفة وهدوء الأسعار من تلقاء نفسها. هذه الوضعيات يعيشها التونسيون باستمرار. ويكتوون على مدار السنة بنيران الأسعار التي تمعن في ممارسة القفز العالي والتلاعب بقدرتهم الشرائية بفعل انخرام التوازن بين العرض والطلب حينا.. وبفعل عربدة المهرّبين والمضاربين والمستكرشين أحيانا أخرى. والأدهى أن الدولة ترفض أو تظهر عجزها عن التحكم في معدلات الأسعار وفي أنساق حركتها تاركة بذلك المجال فسيحا لسباق عبثي بين ارتفاع الأسعار والمطالبة بترفيع الأجور.. وهو السباق الذي ينتهي في كل الحالات بهزيمة الأجور وبانهيار القدرة الشرائية للمواطن أمام الزيادات المتواترة في أسعار كل المواد. آخر المجالات التي اكتوى بها الناس هذه الفترة تمثلت في الأضاحي. حيث عبث «القشّارة» والمحتكرون وصائدو الفرص ومحترفو التلاعب بالأسعار وسرقة عرق الناس وقوت عيالهم بجيوب الناس. وحرموا مئات آلاف العائلات والأطفال من فرحة العيد. وذلك بفعل الارتفاع الجنوني الذي طبع الأسعار في الأسابيع القليلة التي سبقت العيد. فقد شهدت الأسعار ارتفاعا مهولا وغير مبرّر. وأمعن «القشّارة» في العبث بميزانيات العائلات التونسية مستغلين ضغط الأطفال من جهة ونزوع التونسي الفطري الى الالتزام بهذه السنّة المؤكدة مهما كانت التضحيات. مقابل هذه الدوامة التي تخبّط فيها التونسيون اكتفت الجهات الرسمية بتحديد تعريفة لا تبتعد كثيرا عن أسعار «القشّارة» وفي نقاط تبقى محدودة جدا ولا تراعي الانتشار السكاني للتونسيين ولا تستجيب في كل الحالات لحجم الطلب... وبالمحصلة وجد التونسيون أنفسهم في مواجهة محترفي النهب وصائدي الفرص في ظل غياب كامل لأجهزة الرقابة. فما معنى أن يقفز في ظرف وجيز سعر الأضحية الى 500 و600 دينار وأكثر بكثير في بلد لا يتعدى معدل الأجور فيه هذا المستوى من الأسعار؟ وهل يقبل التونسي على أضحية العيد أم «يضحّي» بها ويعطي الأولوية الى العودة المدرسية التي أطلت برأسها؟ إن التحكم في الأسعار بصفة عامة لا يكون بعصا سحرية تقول للشيء كن فيكون. بل هو نتيجة سياسات وقرارات واستراتيجيات ورؤى متكاملة ترسم الأهداف وتحدد الأدوات والوسائل اللازمة لتحقيقها. وذلك هو في الأصل لبّ المسؤولية ومعنى التكليف بسياسة وإدارة شؤون الناس. ومن لا يأنس في نفسه القدرة والأهلية فما عليه الا أن ينسحب ويترك المجال لأهل الخبرة والدراية. فهم موجودون وبلادنا ولاّدة شرط أن ننتبه اليهم ونضع الرجل المناسب في المكان المناسب.