أردت أن أذكر بمراحل من التاريخ المؤلمة التي قد لا يصدق بها ولا بوقوعها القراء والسامعون وهي حقيقية. لاحظت في ما سبق أن الوالي محمد بالأمين الفرشيشي والي مدنين الأول بعد نهاية فترة العمال كان على خلاف مع بعض المناضلين منذ بداية مباشرته العمل. وهو أناني ثبت بعد ذلك وتأكد منه جل المواطنين ويمكن وصفه بالشقيشقة ومنذ بدا التحضير والاستعداد لخوض معركة رمادة وضبط قائمات المتطوعين وتنفيذ التعليمات العليا قرر الوالي عدم مشاركة مصباح الجربوع فيها قائلا بالحرف الواحد مصباح أريد أن ألبسه فوطة لماذا؟ لأن الوالي أناني بالطبع. ولكن السيد الطيب المهيري وزير الداخلية بمجرد سماعه موقف الوالي أذن بأن يكون مصباح الجربوع في مقدمة المتطوعين. وفي تلك الفترة كان الخلاف اليوسفي البورقيبي على أشده. ووقعت المعركة وكان مصباح يصول ويجول تارة مع ضباط الجيش وتارة مع المتطوعين بمختلف مناطق رمادة قبل اندلاع المعركة. وعند اندلاعها واحتدادها كان مصباح مع بعض رفاقه من جهة الطريق الرابطة بين برج بورقيبة (برج البوف) ورمادة بالقرب من الثكنة العسكرية حتى أقدمت قوة عسكرية فرنسية داخلة كان ضحيتها مصباح ومن معه ولم يقع العثور عليه هو ورفاقه إلا بعد أيام وعند بلوغ الخبر وانتشاره عم الحزن والتأثر سواء داخل العائلة أو خارجها. وكان الوالي فرحا مسرورا مما جعله يقيم مأدبة عشاء بداره دعا اليها بعض جلسائه في تلك الفترة ممن يعرفون بكراهيتهم لمصباح بمن فيهم كبار القوادة لفرنسا المعروفين والذين أعرفهم شخصيا فردا فردا بالإضافة إلى عناصر يوسفية. وقد دار الحديث بينهم وأعلمهم الوالي بأسلوب تهكمي بأنه بعث ببرقية تهنئة إلى الكولونيل مولو قائد الحامية الفرنسية برمادة الذي أراحه من مصباح الجربوع. كل ذلك يدخل في التاريخ سواء بالنسبة الى تلك الفترة أو الى ما قبلها وما بعدها. أتمنى أن يتعظ المسؤولون اليوم ويكفون عن المنابزات وينكبون على خدمة تونس ووحدتها واستقرارها لأن المواطن اليوم في حاجة إلى الوحدة والعمل الجدي. ولا عاش في تونس من خانها.