بالمناسبة وقبل أن أخوض في موضوع «حَرْبُوشة بورقيبة «»فإنّي أدعو الشباب للاستماع إلى خطب بورقيبة والإطّلاع على أفكاره ومواقفه إذ هي مليئة بالعبر المفيدة خاصة للشباب الذين هم عماد مستقبل تونس وأن لا يكتفوا بأن يردّدوا مع المردّدين أنّ» بورقيبة «كان رجل دولة واتّسمتْ سياسته بالحكمة وكان دَاهِية في السياسة بكلّ معاني الدهاء بل عليهم أن يكتشفوا ذلك بقراءاتهم وبحوثهم حتّى تكون أحكامهم على برقيبة مبنيّة على البحث العلمي وتقديم المعلومة بالحجّة والدليل القاطع والدعوة موجّهة خاصة للطلبة الشبّان الذين سيُعِدًّون البحوث لنيل الشهادات العليا فإنّي أنصحهم أن يختاروا مواضيع لها علاقة ببورقيبة هذا الرمز الوطني حتّى ينجلي الفكر البورقيبي وما ترتّب عليه من مواقف كانت وراء تحرير الوطن و بناء الدولة وفي ذلك رَدٌّ مدروس وعلمي على كلّ من يحاول أن يتطاول على بورقيبة وسياسته وفكره وأخصّ بالذكر سَيِّئةُ الذِكْرِ- بن سدرين- وهيئة تحريف الحقائق-أمّا البقيّة وما أكثرهم بعد 14 جانفي2011 فبعد أن هاجموا الإرث البورقيبي وظنّوا أنّ هجومهم هو المدخل للقضاء على دولة الاستقلال و على الحداثة والتفتّح مع التجدّر في التربة التونسيّة التي تميّزتْ بها دولة الاستقلال والذين كانوا يظنّون أنّ ما حدث في 2011 مناسبة لإسقاط دولة الحداثة وإقامة دولة الخلافة فقد ثَابُوا إلى رشدهم بعد أن صَدَمَهم الواقع وعرفوا مكانة بورقيبة في نفوس وقلوب التونسييّن حتّى الذين لم يكون متّفقين معه في أسلوب حكمه و أعلن التائبون أنّ لبورقيبة فضلا على تونس وحتّى اجتهاداته الدينيّة كانت موافقة لقواعد الاجتهاد في الإسلام فسبحان مبدّل الأحوال ونحن كَمُؤْتَمنِين على الإرث البورقيبي لا يهمّنا إن كان ذلك نِفَاقا وتَقِيَّة أو هو حقيقة وإيمان لأنّنا نأخذ الناس بالظاهر ونترك السَرائِر ليتولّاها الله عالم الغيب ولا نحاسب أحدا على ما يُسِرُّ لأنّه مخالف لتعاليم الإسلام التي لا نَحِيد عنها خلافا لمن يعتبرون أنفسهم رهبانا في دين لا رَهْبانيّة فيه . نرجع لموضوع» الحربوشة» الذي ممكن أن يكون موضوع شهادة بحث جامعيّة إذ بورقيبة استعمل قاعدة» الحربوشة» في كلّ مراحل كفاحه أي كمايحلو له أن يذكّر به وهو»الجهاد الأصغر والجهاد الأكبر « فتحرير البلاد من المستعمر هو الجهاد الأصغر والجهاد الأكبر هو بناء الدولة وإخراج الشعب من الفقر والجهل والهوان والذلّ الذي ران عليه طوال قرون.مستشهدا بحديث الرسول عليه السلام عندما قال بعد رجوعه منتصرا من إحدى الغزوات أي من الجهاد بالسيف»رجعتُ من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» أي لبناء الدولة الإسلاميّة ومقاومة أسباب الجهل والهوان الذي كان عليه العرب والإنسان بصفة عامة أينما كان في أنحاء المعمورة بتعاليم الإسلام التقدّميّة في عصرها . وخلافا لما يقال من أنّ بورقيبة قد توقّف عند الميراث ولم ينظر فيه لأنّ الآية صريحة فهذا ليس صحيحا فهل آيات الميراث أكثر صراحة من آية التبّني التي فيها الأمر واضح وجلي إذ يقول تعالى في سورة الأحزاب الآية 5:» اُدْعوهم لآبائهم هو أقْسط عند الله فإن لم تعلموا آباؤهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما» فلماذا لم يقف بورقيبة عند هذا الآية ؟ و لماذا شرّع التبنّي وتوقّف عند آية المواريث ؟ هنا تأتي سياسة» الحربوشة» فبورقيبة وجد صعوبة كبرى لتمرير مجلّة الأحوال الشخصيّة بما فيها من قوانين لحماية الأسرة وحماية التونسييّن من آفة الطلاق العشوائي وكذلك التونسيّن الذين قدّر لهم أن يولدوا خارج مؤسّسة الزواج من المصير المجهول وانعكاس ذلك على المجتمع وهذه الصعوبة أتت من المتزمّتين- إذ لكلّ عصر مُتَزمّتوه -الذين يدّعون أنّهم حماة الدين رغم أن لا رَهْبانيّة في الإسلام لذلك اعتبر بورقيبة أنّ تمرير الحربوشة بهذه الصعوبة كان كافيا ولم يفكّر في مزيد تعكير الأمور بالمساواة في الإرث حتّى لا تَثْقل مجلّة الأحوال الشخصيّة أكثر على صغار النفوس من الذين لا تتّسع دائرة إدراكهم إلى ما فوق أنوفهم خاصة وأنّ موضوع المساواة في الإرث لم يكن مطروحا بالحِدّة التي هي عليها اليوم على أن تكون هنالك جولات أخرى لتناول هذا الموضوع وتكون وقتها تونس أكثر تقدّما ويكون للمتزمّتين من الأدوات التي ستكتشفها العلوم والتي حرّض الله على الأخذ بها ما يساعدهم أكثر على الاجتهاد ضمن حدود النصّ القرآني لكن يبدو أنّ شيوخ عهد بورقيبة أي منتصف الخمسينيات كانوا أكثر تفتّحا من»دكاترة'» اليوم . وموضوع حربوشة بورقيبة يعرفها من هم أكبر منّي سنّا وحتّى من هم في سنيّ من الدستورييّن والوطنييّن إذ هنالك خطاب مشهور لبورقيبة وهو مُتَلْفَزٌ –يمكن الرجوع إليه- أبدع فيه بورقيبة بالإشارة والكلمة-وكان ممثّلا بارعا - في تفسير كيف كان يمرّر سواء مع فرنسا عندما تتعقّد المفاوضات أو في ما بعد قي كلّ الإشكاليات التي تعترضه مشيرا بيديه عندما يصعب تمرير الحربوشة وتقف في الحلق يستعمل قليلا من الماء ليزحزحها إلى أن تمرّ الحربوشة ويبتلعها المقابل رغم مرارتها وكان المواطن يفهم قصد بورقيبة من كلامه ويستعين على الفهم بالإشارات الواضحة والمعبّرة .وكأنّي بموقف الباجي قائد السبسي من تقرير لجنة الحرّيات مستوحى من حربوشة بورقيبة التي يريد تمريرها رغم مرارتها تدريجيّا لذلك ترك كلّ ما جاء في التقرير من أفكار ومواقف للحوار «لما بعد» حتّى يفسح المجال لتمرير موضوع الإرث الذي هو المنطلق لمبادرته لكن هذه» الحربوشة» ستَعْلَقُ في الحلق إذْ مقترح السبسي هو أن تكون القاعدة هي المساواة ومن لا يريد المساواة عليه أن يثبت ذلك كتابيّا قبل موته أمّا النهضة التي قد يكون لها القول الفصل في مجلس نواب الشعب إذا لم تتحد مواقف كلّ الكتل الوطنيّة الديمقراطيّة فهي قد لا تقبل أكثر من أن يكون للذكر مثل حظّ الأنثييّن هو الأصل والاستثناء المصرّح به كتابيّا هو المساواة فهل ستكون للباجي القدرة حتّى يحسن تمرير» حربوشة بورقيبة»؟ للحديث بقيّة بعد أن ينظر مجلس النوّاب في الموضوع.