صحيح أن الجسر في ظاهره مجرد منشأة معمارية تسهل «براغماتيا» حركة الجولان في الطريق، لكن الحقيقة التي يتجاهلها الكثيرون أن للجسور معاني أكثر عمقا، تكاد تجعل منها محرارا يقيس تحضر وتقدم الشعوب. فالجسر البسيط الذي قد يقام في «دشرة» في إحدى القرى التونسية هو شريان الحياة، الذي يصلهم بالمدرسة والسوق والعمل ولا يجعل منهم مواطنين «معزولين، مما قد يضطرهم إلى النزوح. وقد يتحول جسر مثل جسر بنزرت إلى رمز للمدينة، يصلها بالعاصمة ومحرك للاقتصاد والسياحة فيها، أما تأخره وتعطله فهي ليست مجرد خسائر اقتصادية واجتماعية، بل هي «سرقة» من وقت الإنسان ومن عمره. والواضح أن «القناطر» قد تحولت إلى علامة تفاخر بها الأمم المتقدمة لا من حيث تحقيقها لخدمات لمواطنيها ولكن أيضا من حيث الشكل المعماري والجمالية التي تعكس تقدم الأمم وذائقتها الجمالية. لكن متى نخر الفساد والغش ال»قنطرة»، فإنها ستتحول إلى كارثة تصيب المال والعباد. لتعكس بذلك داء ينخر الوطن وجب استئصاله، حتى تمارس القنطرة دورها الطبيعي لا في تأمين نقل البشر والسيارات وحدها، بل أيضا في ضمان نقل تونس وأجيالها الجديدة فوق «قنطرة صحيحة» وكما يقول مصطفى الفارسي «القنطرة هي الحياة».