صديقة ماسك السابقة تدخل على خط الحرب مع ترامب: أتريد نصيحة؟    سرّ ''المشوي'' الناجح: هكذا تجعل لحم العيد طريًّا    تجريد جولييف من ميداليتها في أولمبياد 2012 بعد رفض محكمة التحكيم استئنافها    امتلأت بهم جنبات المسجد الحرام.. الحجاج يؤدون طواف الإفاضة    ''ما تغلطش في العيد'': كيف تحافظ على صحتك إذا كنت مريض سكري، ضغط أو قلب؟    والي صفاقس يشارك أطفال قرية "س و س" المحرس فرحة عيد الأضحى    ''السيتروناد واللحم المشوي'': مزيج تقليدي بنكهة صحية في عيد الأضحى    نصائح بسيطة لتفادي مشاكل الهضم في عيد الأضحى    دي لا فوينتي: جمال قدم أوراق اعتماده للفوز بالكرة الذهبية أمام فرنسا    غابرييل يمدد عقده مع أرسنال حتى 2029    قلق بين الجمهوريين.. ماسك قد يتحول ل"عدو خطير"    دولة واحدة فقط في العالم قادرة على إطعام سكانها دون الحاجة إلى الاستيراد.. فما هي؟    نستهدف استعادة اشعاع منتخب كرة السلة للكبريات بعد سنوات من الاستغناء عن هذا الصنف (مدرب المنتخب التونسي)    منوبة تثمن جلود الأضاحي: حملة بيئية واقتصادية لمجابهة التلوث في العيد    هل لاحظت''رعشة لحم العلوش'' بعد النحر؟ إليك التفسير العلمي والديني لهذه الظاهرة    كيف تحافظ على جلد الأضحية في الطقس الحار قبل وصول البلدية؟    ما هو طواف الإفاضة؟ فريضة الركن بعد عرفات    الحجاج يؤدّون رمي جمرة العقبة الكبرى في منى    ارتفاع في درجات الحرارة وخلايا رعدية محلية في الجنوب    وزيرة الشؤون الثقافية ونظيرها الإيطالي يدشنان معرض "مانيا ماتر: من روما إلى زاما    من القلاية للكسكسي: أطباق ما تخرج كان في عيد الكبير!    التمديد في نشر فيلق مشاة خفيف وسرية تدخل سريع تونسيين تحت راية الأمم المتحدة في إفريقيا الوسطى    عاجل: موعد مباراة المغرب ضد تونس والقنوات الناقلة للبث الحي والمباشر    وزيرة الشؤون الثقافية ونظيرها الإيطالي يدشنان معرض "مانيا ماتر: من روما إلى زاما    اريانة: بلدية رواد تزيل النقاط السوداء بمنطقة الغزالة    الأردن وأوزبكستان يحققان إنجازاً تاريخياً بالتأهل إلى كأس العالم 2026    الحجاج يرمون الجمرات في أول أيام عيد الأضحى    جمرة العقبة تُرمى فجر العيد... والحجاج يشرعون في النحر والطواف    ماذا بعد الانتهاء من رمي جمرة العقبة الكبرى؟    بداية مخيبة لانشلوتي مع البرازيل    هل نحمي صغارنا من مشهد الذبح... أم نعلّمه معنى القربان؟    محرز الغنوشي: ''تذبح العلوش ثم البحر ينادي''    هيئة السّلامة الصّحية: تكليف فريق من الأطباء البياطرة لتقديم التوجيهات اللازمة للمواطنين    ارتفاع أسعار لحم الضأن بنسبة 19,8% في شهر ماي 2025 (باحتساب الانزلاق السنوي)    عيدكم مبروك...    فريق قسم جراحة الجهاز الهضمي "أ" بمستشفى الرابطة ينجز تقنية متقدمة لعلاج سرطانات البطن    صابة الحبوب: تجميع 992.776 ألف قنطار إلى غاية 4 جوان 2025    ترامب: طلبت من "المجنون" ماسك ترك منصبه    سوق البورصة تجه صعودا هذا الاسبوع    العاصمة الإيطالية روما تحتضن معرض "مانيا ماتر من روما إلى زاما"    الأوركسترا السمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى في يومها العالمي 21 جوان    المنظمة الفلاحية تدعو إلى تعديل سعر قبول البطاطا الفصلية ب1350 مي/ كغ كحدّ أدنى    المتاحف والمعالم التاريخية تفتح أبوابها مجانًا للتونسيين والمقيمين هذا السبت    بوسالم.. يضرم النار في جسد طليقته امام مركز البريد    القيروان: وفاة شخصين وإصابة 20 آخرين في حادث انزلاق شاحنة خفيفة بحاجب العيون    عاجل/ المتّهم بقتل هشام الميراوي يمثل أمام القضاء الفرنسي (تفاصيل)    نجوم الراي في حلقة استثنائية من برنامج "أنا والمدام" على قناة تونسنا    هل السخانة أثّرت على حجاج تونس في عرفة؟ المنسّق الصحي يطمئن العائلات    وزير الفلاحة يفتتح موسم الحصاد بزغوان    بطولة رولان غاروس: ديوكوفيتش يفوز على زفيريف ويضرب موعدا مع سينر في نصف النهائي    مدنين: إحباط تهريب هواتف بقيمة تفوق 690 مليون وفتح تحقيق أمني عاجل    رئيس الجمهورية: لا مجال للتفريط في مؤسّساتنا ومنشآتنا العمومية، وسيتمّ تحميل المسؤولية القانونية كاملة لمن خرّبها    بينها 4 بلدان عربية: ترامب يحظر دخول مواطني 12 بلدا لأميركا    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    عمره عامان.. وفاة رضيع بعد أسابيع من التعذيب على يد جديه    نحو رقمنة شاملة للقطاع السياحي    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الكاتب حسونة المصباحي    المُثَلَّثُ الشُّجَاعُ والمُسْتَطِيلُ اُلذَّكِيُ    









تحاليل الشروق .. الجميع يقرّرون بخطورة الأزمة ويتمسّكون بمواقفهم المتضاربة .. من سيمتلك «شجاعة التنازل»؟
نشر في الشروق يوم 06 - 09 - 2018

تُراوح الأزمة السياسيّة مكانها بل تزدادُ تعقيدا وتشابكا، وتقف الأطراف الفاعلة والوازنة والمؤثرة (نداء تونس والنهضة واتحاد الشغل ورئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة) دون ارادة التنازل من أي طرف لحلحلة الوضع.
فبعد ضياع «الفرصة الأخيرة» التي طرحها الأستاذ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة بداية هذا الأسبوع لاستئناف مسار وثيقة قرطاج 2 وإيجاد توافق حول النقطة الخلافيّة (النقطة 64) مع ترشيح مقترح حكومة سياسيّة مستقلّة محايدة غير معنية بالانتخابات المقبلة والتفرغ للإصلاحات وتحسين الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة، أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل بلوغ نقطة اللاعودة وبدأ الاستعداد لتصعيد قادم في معركة الاطاحة بالحكومة (التلويح بالإضراب العام في القطاع العمومي) رافضا فكرة استئناف مسار وثيقة قرطاج، واستنفرت حركة نداء تونس وزراءها وكتاب الدولة لوضع ترتيبات لخطوة تصعيديّة منتظرة هدفها رأس يوسف الشاهد لا يعنيها في ذلك أعلن عدم ترشّحه للانتخابات أم لم يُعلن محذّرة من فوضى عارمة قادمة قد تصل حدّ تدخّل الجيش (الإنقلاب العسكري).
وتؤكّد كلّ المصادر تواصل حالة التوتّر بين رأسي السلطة التنفيذيّة، القصبة وقرطاج، وهي حالة مرشّحة لتطوّرات خطيرة في المدى القريب في ظل تمسّك رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بمطلبه السابق في استقالة رئيس الحكومة أو الذهاب إلى مجلس النواب لنيل الثقة، وفي ظل أيضا صمت يوسف الشاهد رئيس الحكومة وتواصل غموض مشروعه السياسي وموقفه من اشتراطات ومطالب واكراهات مختلف الأطراف أي قرطاج والنداء والنهضة واتحاد الشغل إضافة إلى ما ينتظره من واجب الرد على التشكيك الذي يطال حملة مكافحة الفساد والتي إمتدت وتيرتها عقب الإعفاءات التي لحقت المسؤولين الكبار على ملف الطاقة الاسبوع الفارط بشبهة الفساد.
هذا الوضع لا يُمكن حتما أن يستمرّ في ظل ظرف اقتصادي واجتماعي صعب وتواصل المحاذير الارهابيّة وما ينتظر البلاد من مواعيد سياسية وانتخابية العام المقبل.
في توصيف اللحظة السياسيّة الراهنة
يُجمع المتابعون على أنّ تونس ما تزال تُجابه تحديات الانتقال الديمقراطي، بمعنى أنّها ما تزال لم تصل مرحلة الديمقراطية الكاملة والمؤسسات الدائمة والمستقرة، وهذا ما يحتاجُ ضرورة الى تفعيل آليات خصوصيّة لا تخضع مطلقا الى منطق المغالبة أي ثنائيّة الأغلبية والأقلية، ولكن اللافت في السجال السياسي الحالي تحوّل المعركة علنا الى صراع على الحكم والسلطة، وهذا الوضع يهدد فعليا استكمال بقية مرتكزات الانتقال الديمقراطي وهي أساسا تركيز بقية الهيآت الدستوريّة وعلى رأسها المحكمة الدستوريّة والانتهاء من مسار العدالة الانتقالية وتحقيق هدف المصالحة الشاملة، هذا إضافة الى أنّه وضع يُهَدِّد عمليا وواقعيا استمراريّة المواعيد الانتخابية في ظل ما تعانيه هيئة الانتخابات والحاجة المؤكّدة لتعديل القانون الانتخابي،
وفي هذا السياق يطرح المتابعون تساؤلات حول سيناريوهات المشهد البرلماني القادم ومدى القدرة على توفير الأغلبيات القادرة على تأمين تحقيق كل تلك الاستحقاقات والمصادقة على مشاريع القوانين المستعجلة وتمرير قانون المالية وميزانية الدولة للعام القادم، وهي اسئلة عميقة ومهمّة إذا لم يكن مجلس النواب في فترات سابقة متميّزة بالهدوء وتوافق الحزبين الأغلبيين من حسم ملفات في حجم انتخاب أعضاء المحكمة الدستوريّة وسد شغور هيئة الانتخابات، فكيف سيكون اشتغاله في وضع جديد موسوم بصراع عنيف ولي أذرع شديد ونوايا من الجميع لكسر العظام مرّة واحدة.
ومن المؤكّد أنّ ذهاب النخبة السياسية لسنة برلمانية وسياسية جديدة بمثل هذا التضاد والتقابل سيعمّق من أزمات البلاد وسيكثّف حالة الغموض حيال مستقبل التجربة الانتقالية ومآلات العملية السياسية الديمقراطيّة خاصة مع تواصل الضغوطات الاقتصاديّة والاجتماعيّة وتردي الوضعية المالية العموميّة وخطورة الكثير من المؤشرات ومنها على وجه الخصوص ارتفاع نسبة التضخم ونقص احتياطي العملة الصعبة وتزايد التداين الخارجي.
عجز عن الإقناع ورفض للتنازل
برغم وعي جلّ الأطراف بالمخاطر الماثلة وما يتهدّد المستقبل واتفاقهم على تشخيص الواقع المعيش للمواطن والدولة وتعبيرهم جميعا عن حالة انشغال عميق من ما آلت إليه الاوضاع العامة في البلاد وتأكيد أكثر من طرف فاعل وتوازن على الحاجة لاستمرارية التوافق، فلا شيء يُوحي بقدرة طرف من الأطراف على إقناع البقية ولا شيء يدلّ على استعداد طرف منهم لتقديم التنازلات الضرورية والمطلوبة لإنهاء حالة اللاتوافق وبلوغ منطقة وسطى من التفاهم وبناء ثقة جديدة متبادلة تنهضُ بأعباء المرحلة وتكون قادرة على إنقاذ البلاد.
وفي هذا المستوى، يظهر من خلال مواقف عديدة وكأنّ حركة النهضة هي المدعوة الوحيدة للتنازل والا فهي تظل في باب ادانة تعطيل التوافق وهي المسؤولة عن ما قد تؤول اليه الاوضاع، والحال أنّ فلسفة التوافق تستدعي ضرورة تنازلات متبادلة، ولئن كان تنازل النهضة المنشود من خصومها معلوم وهو التخلّي عن يوسف الشاهد والقبول بتشكيل حكومة جديدة، على الرغم من أنّه مطلب فيه الكثير من الإجحاف فالشاهد جاء به السبسي وهو قيادي في نداء تونس، وعلى الأطراف التي لم تعد في انسجام معه أن تتكفّل بايجاد آليات دستورية وقانونية أو أي طرق اخرى لإخراجه والإطاحة بحكومته.
في المقابل يبدو وكأنّ الاطراف الاخرى، وتحديدا رئيس الحكومة يوسف الشاهد ونداء تونس واتحاد الشغل، لا تمتلكُ ما تتنازل عنه والحال أنّها اطراف معنيّة بسياسة التنازل هي أيضا، ولكل منها ما يُتنازل عنه، فالقليل من المرونة والانسيابيّة وتعديل المواقف برفض العناد والمكابرة وتغليب المصلحة الوطنيّة أولا وأخيرا قد يوفّران سريعا فرصة للالتقاء وتجاوز الأزمة.
الاقوياء فقط يتنازلون؟
دون تنازل لا يبدو أنّ هناك أفقا لحل الأزمة السياسيّة، وتواصل مشهد المغالبة ولي الأذرع لفترة أخرى منذر بالعديد من المخاطر ومخاوف الانزلاق نحو الأسوإ، ولكن الأمل سيبقى موجودا في أن يمتلك أحد الأطراف، ولم لا جميعا، شجاعة التنازل، وهي شيمة من شيم الكبار والأقوياء ودليل إحساس إضافي عميق بالمسؤولية التاريخيّة والوطنيّة ولا دليل ضعف أو عجز كما قد يراها البعض.
من الأقدر للتحلّي بهذه الخصلة المميّزة؟ ومن الأسرع لتقديم التنازل المطلوب لإطلاق نور الأمل والتفاؤل ولالتقاط محاسن ومزايا إخراج البلاد ممّا يتهدّدها وتأمين مستقبلها وحماية مسارها الانتقالي من الانتكاسة؟ فإنقاذ الحلم الديمقراطي ممّا يتهدّده وإسعاد الناس ودفعهم الى التفاؤل أهم من صراعات الحكم والسلطة وكراسيه..لننتظر.بقلم: خالد الحدّاد
تُراوح الأزمة السياسيّة مكانها بل تزدادُ تعقيدا وتشابكا، وتقف الأطراف الفاعلة والوازنة والمؤثرة (نداء تونس والنهضة واتحاد الشغل ورئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة) دون ارادة التنازل من أي طرف لحلحلة الوضع.
فبعد ضياع «الفرصة الأخيرة» التي طرحها الأستاذ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة بداية هذا الأسبوع لاستئناف مسار وثيقة قرطاج 2 وإيجاد توافق حول النقطة الخلافيّة (النقطة 64) مع ترشيح مقترح حكومة سياسيّة مستقلّة محايدة غير معنية بالانتخابات المقبلة والتفرغ للإصلاحات وتحسين الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة، أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل بلوغ نقطة اللاعودة وبدأ الاستعداد لتصعيد قادم في معركة الاطاحة بالحكومة (التلويح بالإضراب العام في القطاع العمومي) رافضا فكرة استئناف مسار وثيقة قرطاج، واستنفرت حركة نداء تونس وزراءها وكتاب الدولة لوضع ترتيبات لخطوة تصعيديّة منتظرة هدفها رأس يوسف الشاهد لا يعنيها في ذلك أعلن عدم ترشّحه للانتخابات أم لم يُعلن محذّرة من فوضى عارمة قادمة قد تصل حدّ تدخّل الجيش (الإنقلاب العسكري).
وتؤكّد كلّ المصادر تواصل حالة التوتّر بين رأسي السلطة التنفيذيّة، القصبة وقرطاج، وهي حالة مرشّحة لتطوّرات خطيرة في المدى القريب في ظل تمسّك رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي بمطلبه السابق في استقالة رئيس الحكومة أو الذهاب إلى مجلس النواب لنيل الثقة، وفي ظل أيضا صمت يوسف الشاهد رئيس الحكومة وتواصل غموض مشروعه السياسي وموقفه من اشتراطات ومطالب واكراهات مختلف الأطراف أي قرطاج والنداء والنهضة واتحاد الشغل إضافة إلى ما ينتظره من واجب الرد على التشكيك الذي يطال حملة مكافحة الفساد والتي إمتدت وتيرتها عقب الإعفاءات التي لحقت المسؤولين الكبار على ملف الطاقة الاسبوع الفارط بشبهة الفساد.
هذا الوضع لا يُمكن حتما أن يستمرّ في ظل ظرف اقتصادي واجتماعي صعب وتواصل المحاذير الارهابيّة وما ينتظر البلاد من مواعيد سياسية وانتخابية العام المقبل.
في توصيف اللحظة السياسيّة الراهنة
يُجمع المتابعون على أنّ تونس ما تزال تُجابه تحديات الانتقال الديمقراطي، بمعنى أنّها ما تزال لم تصل مرحلة الديمقراطية الكاملة والمؤسسات الدائمة والمستقرة، وهذا ما يحتاجُ ضرورة الى تفعيل آليات خصوصيّة لا تخضع مطلقا الى منطق المغالبة أي ثنائيّة الأغلبية والأقلية، ولكن اللافت في السجال السياسي الحالي تحوّل المعركة علنا الى صراع على الحكم والسلطة، وهذا الوضع يهدد فعليا استكمال بقية مرتكزات الانتقال الديمقراطي وهي أساسا تركيز بقية الهيآت الدستوريّة وعلى رأسها المحكمة الدستوريّة والانتهاء من مسار العدالة الانتقالية وتحقيق هدف المصالحة الشاملة، هذا إضافة الى أنّه وضع يُهَدِّد عمليا وواقعيا استمراريّة المواعيد الانتخابية في ظل ما تعانيه هيئة الانتخابات والحاجة المؤكّدة لتعديل القانون الانتخابي،
وفي هذا السياق يطرح المتابعون تساؤلات حول سيناريوهات المشهد البرلماني القادم ومدى القدرة على توفير الأغلبيات القادرة على تأمين تحقيق كل تلك الاستحقاقات والمصادقة على مشاريع القوانين المستعجلة وتمرير قانون المالية وميزانية الدولة للعام القادم، وهي اسئلة عميقة ومهمّة إذا لم يكن مجلس النواب في فترات سابقة متميّزة بالهدوء وتوافق الحزبين الأغلبيين من حسم ملفات في حجم انتخاب أعضاء المحكمة الدستوريّة وسد شغور هيئة الانتخابات، فكيف سيكون اشتغاله في وضع جديد موسوم بصراع عنيف ولي أذرع شديد ونوايا من الجميع لكسر العظام مرّة واحدة.
ومن المؤكّد أنّ ذهاب النخبة السياسية لسنة برلمانية وسياسية جديدة بمثل هذا التضاد والتقابل سيعمّق من أزمات البلاد وسيكثّف حالة الغموض حيال مستقبل التجربة الانتقالية ومآلات العملية السياسية الديمقراطيّة خاصة مع تواصل الضغوطات الاقتصاديّة والاجتماعيّة وتردي الوضعية المالية العموميّة وخطورة الكثير من المؤشرات ومنها على وجه الخصوص ارتفاع نسبة التضخم ونقص احتياطي العملة الصعبة وتزايد التداين الخارجي.
عجز عن الإقناع ورفض للتنازل
برغم وعي جلّ الأطراف بالمخاطر الماثلة وما يتهدّد المستقبل واتفاقهم على تشخيص الواقع المعيش للمواطن والدولة وتعبيرهم جميعا عن حالة انشغال عميق من ما آلت إليه الاوضاع العامة في البلاد وتأكيد أكثر من طرف فاعل وتوازن على الحاجة لاستمرارية التوافق، فلا شيء يُوحي بقدرة طرف من الأطراف على إقناع البقية ولا شيء يدلّ على استعداد طرف منهم لتقديم التنازلات الضرورية والمطلوبة لإنهاء حالة اللاتوافق وبلوغ منطقة وسطى من التفاهم وبناء ثقة جديدة متبادلة تنهضُ بأعباء المرحلة وتكون قادرة على إنقاذ البلاد.
وفي هذا المستوى، يظهر من خلال مواقف عديدة وكأنّ حركة النهضة هي المدعوة الوحيدة للتنازل والا فهي تظل في باب ادانة تعطيل التوافق وهي المسؤولة عن ما قد تؤول اليه الاوضاع، والحال أنّ فلسفة التوافق تستدعي ضرورة تنازلات متبادلة، ولئن كان تنازل النهضة المنشود من خصومها معلوم وهو التخلّي عن يوسف الشاهد والقبول بتشكيل حكومة جديدة، على الرغم من أنّه مطلب فيه الكثير من الإجحاف فالشاهد جاء به السبسي وهو قيادي في نداء تونس، وعلى الأطراف التي لم تعد في انسجام معه أن تتكفّل بايجاد آليات دستورية وقانونية أو أي طرق اخرى لإخراجه والإطاحة بحكومته.
في المقابل يبدو وكأنّ الاطراف الاخرى، وتحديدا رئيس الحكومة يوسف الشاهد ونداء تونس واتحاد الشغل، لا تمتلكُ ما تتنازل عنه والحال أنّها اطراف معنيّة بسياسة التنازل هي أيضا، ولكل منها ما يُتنازل عنه، فالقليل من المرونة والانسيابيّة وتعديل المواقف برفض العناد والمكابرة وتغليب المصلحة الوطنيّة أولا وأخيرا قد يوفّران سريعا فرصة للالتقاء وتجاوز الأزمة.
الاقوياء فقط يتنازلون؟
دون تنازل لا يبدو أنّ هناك أفقا لحل الأزمة السياسيّة، وتواصل مشهد المغالبة ولي الأذرع لفترة أخرى منذر بالعديد من المخاطر ومخاوف الانزلاق نحو الأسوإ، ولكن الأمل سيبقى موجودا في أن يمتلك أحد الأطراف، ولم لا جميعا، شجاعة التنازل، وهي شيمة من شيم الكبار والأقوياء ودليل إحساس إضافي عميق بالمسؤولية التاريخيّة والوطنيّة ولا دليل ضعف أو عجز كما قد يراها البعض.
من الأقدر للتحلّي بهذه الخصلة المميّزة؟ ومن الأسرع لتقديم التنازل المطلوب لإطلاق نور الأمل والتفاؤل ولالتقاط محاسن ومزايا إخراج البلاد ممّا يتهدّدها وتأمين مستقبلها وحماية مسارها الانتقالي من الانتكاسة؟ فإنقاذ الحلم الديمقراطي ممّا يتهدّده وإسعاد الناس ودفعهم الى التفاؤل أهم من صراعات الحكم والسلطة وكراسيه..لننتظر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.