جاء الإسلام ليبني مجتمعا إسلاميا متماسكا ومتضامنا يقف فيه القوي إلى جانب الضعيف ويعين فيه الغني الفقير فكان أن فرضت الزكاة في السنة الثانية للهجرة وهي الركن الإقتصادي والاجتماعي لهذا الدين وقد اعتنى بها القرآن اعتناء كبيرا حيث ذكرت في كثير من الآيات القرآنية وقرنها الله بالصلاة في 27 آية منها قوله تعالى ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (البقرة:110) . وقوله أيضا: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (المائدة:55) وقد بيّن الرسول ﷺ أن الله لا يقبل صلاة أحد حتى يؤدي زكاته. فعن أنس بن مالك عن النبي أنه قال : «لا يقبل الله صلاة الرجل لا يؤدي الزكاة حتى يجمعهما فإن الله تعالى قد جمعهما فلا تفرّقوا بينهما». وللزكاة فوائد عظيمة على المجتمع الإسلامي فهي من جانب أداة لتربية المزكّين على مقاومة الشحّ والبخل وتدريبهم على البذل والعطاء وهي من جانب آخر تساعد على تطهير نفوس المنتفعين من الفقراء والمحتاجين من شوائب الحقد والحسد والكراهية تجاه الأغنياء والموسرين الذين ينفقون جزءا من أموالهم استجابة لأمر ديني هدفه تحسين معيشة الفقراء وتسديد حاجاتهم الضرورية وحمايتهم من الخصاصة والاحتياج وبذلك تساهم الزكاة في الحد من الفقر وفي القضاء على مظاهر البؤس والحرمان في المجتمع إلى جانب تنشيط الدورة الاقتصادية من خلال خلق وبعث مشاريع اقتصادية صغرى بتمويل من أموال الزكاة التي تجمع في صناديق خاصة يشرف على تسييرها رجال أكفاء وشرفاء يسهرون على تنفيذها لفائدة الفقراء المحتاجين فنكفيهم السؤال ونحفظ كرامتهم وبذلك نخرج من تلك الصورة النمطية المعتمدة على التصدق بشيء من المال لا يسمن ولا يغني من جوع ونتخلص من المجتمع الكفيل إلى مجتمع التكافل الذي أوصى به الإسلام وندعم السلم الاجتماعي الذي تنشده الشعوب في جميع أنحاء العالم قال المصطفى عليه الصلاة والسلام «مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إن اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى». إن الزكاة واجبة وهي حق الفقراء في مال الأغنياء لأن المال هو مال الله والإنسان مستخلف فيه يتصرف فيه بمقتضى تعاليم الدين . قال تعالى : ﴿وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ (النور: 55 ). وهي ليست منّة من الغني على الفقير بل هي فريضة يؤديها نحو الله سبحانه وتعالى ونحو مجتمعه. فحقّ على المسلم أن يبذل ممّا أنعم الله تعالى عليه من وفرة المال وأن يتصدق بجزء منه مساهمة منه في دعم التكافل بين المسلمين في السرّاء والضرّاء وفي تحصين وحماية أمواله وأرزاقه من التلف والهلاك فالزكاة تنمي المال ولا تنقصه وتزيد في الأرزاق ولا تمحقها قال الله سبحانه وتعالى : ﴿وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِين﴾ (سبأ: 39).