مازالت أصداء الكلمة التي ألقاها وزير الدفاع الوطني السيد عبد الكريم الزبيدي في تأبين شهيدي المؤسسة العسكرية تتردّد في كامل أرجاء البلاد. وقد شكّلت محور أحاديث السياسيين والمواطن العادي حيث اعتبرت بمثابة قرع لناقوس الخطر وتحذير من خطر مؤكد إذا ما تواصلت الفوضى والتجاذبات والمناكفات التي تطبع المشهد السياسي عندنا والتي توفّر مناخات ملائمة للجماعات الإرهابية المتربّصة لكي تنفث سمومها وتنفّذ مخططاتها الإرهابية لتوقع المزيد من الشهداء ولتزيد في إرباك أمن واستقرار البلاد. وزير الدفاع وهو يصف هذا المشهد العبثي الذي يتواصل منذ سبع سنوات كان صريحا ومباشرا في توصيفه، فقد أكد أن «التجاذبات السياسية وبمعنى أصح الانخرامات السياسية التي تعرفها تونس منذ 7 سنوات هي المسؤولة عن كل الانخرامات الأمنية وهي مسؤولة أيضا عن سقوط الشهيدين الى جانب الانخرامات الاقتصادية والاجتماعية»... ويضيف «لذلك فإن السياسيين الذين يدّعون أنهم يمثلون الشعب وانتخبهم الشعب أذكّرهم أنه سيأتي يوم ويحاسبهم الشعب عن كل ما يحصل في البلاد طيلة الفترة التي منحوهم فيها الثقة». وبمثل هذا الكلام الواضح والصريح يكون وزير الدفاع قد وضع الأصبع على موطن الداء... وموطن الداء يمثله أداء النخب السياسية منذ 7 سنوات بما فيه من تجاذبات ومناكفات ومعارك سياسوية وحروب مواقع ومصالح... وبما فيه من عبث واستهتار بمصالح الشعب وبالمصالح العليا للبلاد وبأمنها واستقرارها... فإذا كان أهل السياسة والأحزاب يتلذّذون بمعاركهم العبثية ويتمادون في حروب المواقع والتموقع ويديرون ظهورهم بذلك الى مصالح البلاد والعباد فإن غيرهم وهم كثّر يدفعون فاتورة عبثهم واستهتارهم وانتشائهم بلذائذ السلطة. في طليعة من يدفعون الفاتورة نجد أبناء المؤسستين العسكرية والأمنية الذين ما فتئوا ومنذ 2011 يدفعون فاتورة الدم... ويدفعون قوافل الشهداء والمصابين الذين يروون بأرواحهم الطاهرة وبدمائهم الزكية هذه الأرض الطيبة... هؤلاء ما انفكوا يضحّون بالنفس والنفيس لاقتلاع شوكة الإرهاب ولإجهاض المخططات الشيطانية للعصابات الإرهابية التي تتربص بالجميع... وأضعف الإيمان أن يلقى هؤلاء الالتفاف من الطبقة السياسية برمّتها والانضواء في جبهة وطنية صمّاء تحرم هؤلاء من مناخات التشتت والفوضى التي يتصيّدونها لتوجيه ضرباتهم الجبانة لأبناء المؤسستين العسكرية والأمنية وللبلاد عامة. قائمة من يدفعون الفاتورة لا تقف عند هذا الحد، بل تمتد لتشمل استقرار البلاد وأمن العباد... وتمتد لتشمل حق التونسيين والتونسيات في الأمن والاستقرار، كما تمتد الى المجالات الاقتصادية والاجتماعية التي تحتاج الاستقرار واستتباب الأمن لتعاود النهوض وتمكّن من دوران عجلة الاقتصاد بما فيها من إنتاج ومن استثمار ومشاريع تنموية وخلق مواطن الشغل. القائمة تمتد أيضا لتشمل المزاج العام لهذا الشعب الطيّب الذي دمّرته تجاذبات السياسيين وطحنه عبثهم ما أصابه باليأس والإحباط وحوّله من شعب مقبل على الحياة الى شعب محبط متشائم ترقى عنده نسب التشاؤم الى أكثر من ٪83 وفق آخر استبيان في الغرض. كل هذا الوضع المتردّي وكل هذه الانخرامات سببها وفق توصيف د. عبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع الوطني «التجاذبات السياسية والانخرامات السياسية»... فإلى متى يتواصل هذا المشهد السريالي؟ والى أين تمضي بالبلاد وبالعباد هذه الطبقة السياسية التي يبدو أنها رضعت حليب التجاذب والاختلافات العبثية حتى الثمالة... فراحت تتلذّذ بما تحسبه معارك سياسية وتدير ظهرها للمشاكل الحقيقية للبلاد ولحاجتها الملحة الى الاستقرار لمواجهة التحديات الكبرى وفي طليعتها التحدي الأمني وتحدي الإرهاب علاوة على باقي التحديات الاقتصادية والاجتماعية والتي تضع البلاد على حافة انهيار لا يبقي ولا يذر. وزير الدفاع مضى في صراحته وجرأته حدّ تحذير هذه النخب السياسية بأن الشعب الذي منحهم الثقة سوف «يحاسبهم عن كل ما يحصل في البلاد طيل الفترة التي منحهم فيها الثقة»... فهل يصغي هؤلاء وهل يتمثلون الوضع من كل جوانبه الأمنية والاقتصادية والاجتماعية؟ وهل يعون، إذا ما سمعوا، بأن عليهم وقف هذا العبث والانخرام قبل أن يقع السقف على الجميع، لأن صبر الشعب قد نفد ولم يعد أحد يحتمل رؤية البلاد وهي تشيّع قوافل الشهداء فيما السّاسة يتلهّون بالتجاذبات وبحروب المواقع والمصالح.