نشأت بالمدينةالمنورة منذ ابتدأت ادلة الوحي تفتح باب تشريع الاحكام فبدأ النبي ﷺ يجتهد لتطبيقها وزيادة على اجتهاده في تبليغها . وبدأ اصحابه حوله وبمرأى ومسمع منه يجتهدون في تطبيقها . ومراقبة النبي ﷺ لاجتهادهم تجعل اجتهادهم جاريا في المسلك المقبول المحمود، الذي ان لم يكن فيه المجتهد مأجورا على الاصابة في اجتهاده، فانه يكون على الاقل مأجورا على اصل اجتهاده . وكذلك استقرت هذه الحركة التي هي حركة الفقه او نعبر عنها بالاجتهاد في المدينةالمنورة والتحق النبي ﷺ بالرفيق الاعلى وتركها حركة سائرة ناشطة نامية في المدينةالمنورة بين اصحابه الذين كانوا مجتمعين في مهبط الوحي ودار الهجرة . ثم أتى من دواعي الاحداث التاريخية المعروفة المشهورة، التي اهمها اتساع رقعة الاحداث التاريخية المعروفة المشهورة، التي اهمها اتساع رقعة الدولة الاسلامية بالفتوح، ما حمل اصحاب النبي ﷺ على ان يتفرقوا في الامصار . فكان تفرقهم ذلك ناقلا لحركة الفقه من المدينةالمنورة في قلوب الصحابة رضي الله عنهم وفي اذهانهم، فنوروا بها امصارا اخرى نقلوا اليها نور الفقه الذي اضاءت شعلته في المدينةالمنورة فابتدأ الصحابة يتفقهون ويفتون ويجتهدون في عديد القواعد والامصار من بلاد الاسلام . فكانت نشأة الفقه سابقة لنشأة اصول الفقه . وكان علم الفقه سابقا لعلم العقائد او علم اصول الدين . حتى ان علم العقائد في اول نشأته قوبل بالفقه، واظهرت مقابلته به في تسمية علم العقائد اولا بعلم الفقه الاكبر . وفي هذه الاقطار الاسلامية التي هي المعبر عنها بالامصار والتي كانت في اول أمرها عبارة عن المدينة ومكة والعراق والشام ومصر، برزت المذاهب الاولى للصحابة رضي الله عنهم، وتكونت المراكز الفقهية الاولى . واصبحت كثرة هذه المراكز آيلة الى قلة ومنحصرة تقريبا في تيارين جامعين هما: التيار الشرقي الذي امتد من العراق الى حدود الصين، والتيار الغربي الذي امتد من الشام الى مصر، الى بلاد المغرب الاسلامي العربي . كان الامتداد للمذاهب الفقهية باعتبار طريقتين سائدتين عليها، هما: الطريقة الحجازية: التي امتدت من الحجاز الى الشام ومصر والمغرب . والطريقة العراقية: التي امتدت من العراق الى ما وراء النهر اعني اواسط اسيا الى الشرق الاقصى . وكان الامتداد الحجازي امتدادا غربيا، والامتداد العراقي امتدادا شرقيا، وهذا انما هو باعتبار الغالب ومن هنا جاءت انتشارية المذاهب في القرن الثاني . فاصبحت المذاهب التي نشأت في الامصار او المراكز التي ذكرناها متنقلة في اقطار اخرى باعتبار هذين الامتدادين: الامتداد الشرقي الذي هو امتداد التيار العراقي والامتداد الغربي الذي هو امتداد التيار الحجازي . فكانت هذه المدينة المباركة التي هي مدينة القيروان والتي هي مركز انبعاث الاسلام الى البلاد المغربية الافريقية بصورة عامة مركزا ذا شأن من مراكز الامتداد الغربي للفقه الحجازي الذي هو فقه المذهب المالكي . فقد كان المذهب المالكي مذهبا انتشاريا تعددت مراكزه في منتصف القرن الثاني بين العراق واليمن ومصر والمغرب زيادة على مركزه الاصلي الذي هو الحجاز وعلى المركز المغربي الاقصى الذي هو مشتق عن المغرب وهي القيروان ونعني به الاندلس فكان اصحاب مالك قد استقروا في مصر كما استقروا في افريقية والاندلس . يتبع