أمّا من الذين كان لهم موقف إيجابي من بورقيبة وكتبوا في معركة بنزرت أذكر الدكتور «عمر الشاذلي» فقد جاء في كتابه «بورقيبة كما عرفته «أنّ حرب بنزرت كانت حتميّة لأنّ فرنسا ما زالت في الجزائروتونس ملتزمة مبدئيّا بمساندة الكفاح الجزائري فبورقيبة كان يقول :»لا أنام قرير العين ما دام دم إخوتنا الجزائريّين يسيل»ثمّ إنّ رئيس وزراء فرنسا ونظرا للدعم التونسي لجبهة التحرير فكّر في إعادة احتلال تونس وسأل أحد «جنرالاته» عن التكلفة الماليّة لذلك رغم أنّ تونس قد اقترحت على فرنسا استغلال مشترك للقاعدة مقابل استقلال الجزائر. ثمّ إنّ تونس كانت تعاني من تواجد ثلاثة جيوش على أرضها جيش التحرير الجزائري والجيش الفرنسي والجيش التونسي الفتي وقد قال بورقيبة عندما رجع ديغول للحكم :»برجوعه استرجاع للثقة وأملنا وأمل فرنسا» لكن ما أبداه ديغول من تعنّت واستحقار وغطرسة تجاه تونس عجّل باتّخاذ قرار المواجهة في بنزرت .وما كتبه عمر الشاذلي هو موفق من مواقف الذين لهم نظرة إيجابيّة تجاه بورقيبة وهم الصنف الثاني من الذين ذكره البشير بن سلامة. ونظرا لتعدّد المواقف غير الموضوعّة من حرب بنزرت حيث كان المواقف متأثّرة بعلاقة الكاتب ببورقيبة إيجابا أو سلبا فأين نجد القول الفصل في أسباب معركة بنزرت؟ وسأعتمد للإجابة على هذا السؤال على مقال كتبه الأستاذ المؤرّخ لطفي الشايبي أي سأجد الجواب عند المؤرّخ الذي لا يتطرّق الشكّ لموضوعيته فقد أثبت أنّ كلّ الحكومات الفرنسيّة من» قنبطّا «إلى «ديغول» لم يكن لهم استعداد لمغادرة بنزرت ف «قنبطّا» قال بتاريخ1 -12-1881 في مجلس نوّاب الشعب:»إنّ لفرنسا مصلحة في وضع حارس على البوّابة الشرقيّة لممتلكاتها الافريقيّة الكبرى(الجزائر)يكون بوّابا يقظا(أي حضور فرنسي في تونس) كما أنّ «جلفيري» بينما كان يتنزّه في بحيرة بنزرت في 23أفريل 1887 قال:»إنّ هذه البحيرة تساوي بمفردها امتلاك تونس برمّتها أنظروا إلى خريطة العالم وأخبروني إن كانت محطّات.....وتونس ليست محطّات ضروريّة لتأمين ملاحتنا «. أمّا ديغول فخلافا لما سرّبه في مذكّراته من أنّ فرنسا ستتخلّى على بنزرت عند حصولها على سلاحها النووي وحيث أنّ الحضور في بنزرت كان مرتبطا لدى كلّ الساسة الفرنسييّن بحضور فرنسابالجزائر و حيث كان بورقيبة خبيرا بالساسة الفرنسيّين ومتفطّنا لنواياهم لذلك ساومهم بين بنزرت واستقلال الجزائر فرفضوا وقد قال عالم اجتماعي ألماني محايد:»إنّ بورقيبة بخصاله الأساسيّة لرجل السياسة الحقيقي...ماطل الساسة في الجمهوريتين الثالثة والرابعة وتظاهر بقبول الحلول المنقوصة ريثما يقتلع منهم البقيّة لاحقا وتدريجيّا.....(«ونحن هنا في صميم ما نسميه «بسياسة المراحل التي اتّسمت بها البورقيبيّة.)ثم عندما جاء ديغول الكاثوليكي الوطني العسكري للحكم بادره بورقيبة بجسّ النبض فطلب منه تحديد موعد لجلاء البحريّة الفرنسيّة عن بنزرت فكان ردّ ديغول مبهما كما طلب منه بورقيبة إعادة رسم الحدود الصحراويّة مع الجزائر فرض. ومن هنا نفهم الجوّ العام الذي انعقد فيه اجتماع» رمبويّي» حيث حاول ديغول استضعاف بورقيبة ومن ورائه الشعب التونسي وعندما أصرّ بورقيبة على الدفاع على مصالح بلاده واستكمال سيادتها قابله ديغول بالتشبّث بمظاهر عظمة الإمبراطوريّة الفرنسيّة وما شابه ذلك من التعالي وبما أنّ بورقيبة من طينة رجال السياسة المعتزّين بكرامتهم وكرامة شعوبهم وأوطانهم فما كان منه إلّا أن اتخذ القرار بتحدّي «ديقول» و فرنسا وإجبارها على الخروج من بنزرت لذلك كانت معركة بنزرت ضروريّة وحتميّة وقد أوافق- إلى حدّ ما- الأستاذ الشايبي الذي يرى أنّ التقدير الوحيد الذي يؤاخذ عليه بورقيبة هو أنّه لم يتصوّر تلك الوحشيّة التي استعملها اللفيف العسكري الفرنسي ضدّ الشعب الأعزل الذي وقف مسالما لتحرير جزء من تراب وطنه ومع هذا فلا يمكن أن نزايد في المعارك التي هدفها تحرير الأوطان بكثرة الشهداء وبإراقة الدماء فكلّ الشعوب التي تحرّرت من الاستعمار دفعت ضريبة الدمّ وأكبر مثال على ذلك جارتنا الجزائر التي تفخر إلى اليوم بأنّها بلد المليون شهيد أمّا - الذين إلى اليوم ينسون أهمّية معركة بنزرت في تركيز السيادة الكاملة لتونس على أراضيها ويتباكون على دماء الشهداء الزكيّة التي في نظرهم قد هدرت نقول لهم إنّ الدماء التي سالت هي إلى اليوم تَرْوِي بطولات شبابنا فداء للوطن في معركة تطهير أرض الوطن من أقدام آخر جندي أجنبي محتلّ وأحيلهم على البيت الرائع الذي قاله شوقي عن ثمن الحريّة : وللحريّة الحمراء بابٌ بكلّ يَد مُضَرَّجَة تَدُقُّ. وبهذه المناسبة(عيد الجلاء) وفي هذا الظرف الصعب الذي تعيشه بلادنا المطلوب من الشباب النزول للميدان بالعمل والاجتهاد الذي سمّاه الزعيم الحبيب بورقيبة بالجهاد الأكبر حتّى يحافظوا على ما تبقّى من دولة الاستقلال التي بناها آباؤهم وأجدادهم بعرق الجبين وبالدماء الطاهرة .