تونس (الشروق) تآكل في الطبقات المتوسطة.. والتونسي مهدد بسوء التغذية رغم الهدوء النسبي الظاهر في الشارع التونسي، إلا أن الواقع ينذر بغليان مرده ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، كما تشير كواليس اجتماعات اتحاد الشغل إلى انفجار مترقب لاحتجاجات الأجراء الذين فرغت جيوبهم ولم يعد أجرهم يجاري تواصل غلاء المعيشة. من ارتفاع أسعار الكراء والعقارات التواصل، إلى ارتفاع أسعار المحروقات وصولا إلى زيادات أسعار مواد التنظيف والملابس، والبيض، تتالت سلسلة الزيادات في كل ما يهم التونسي ومعيشته. زيادة لا تقابلها زيادات مناسبة في الأجور، ليجد المستهلك نفسه في ضغط متواصل ومحاصرة غير مسبوقة بالزيادات التي تزيد من اختناقه. تضخم وأسباب جولة في الشارع التونسي كشفت معاناة كبيرة من التونسيين الذين هزلت «قفتهم» ولم يعودوا قادرين على اقتناء حاجياتهم الغذائية. كما تغير النمط الاستهلاكي والعادات الغذائية. ورغم ما يعيشه المستهلك من ضيق مرده تواتر وتيرة الزيادات، فإن الأرقام تشير إلى تراجع نسبة تضخم الاسعار وهو ما أشار إليه مدير المعهد الوطني للاستهلاك طارق بن جازية، الذي قال إن هناك تراجعا في نسق الاسعار ونسبة التضخم من شهر إلى آخر، وقد بلغت هذه النسبة في سبتمبر 7.4 بالمائة. وفسر أسباب الشعور بارتفاع الاسعار بأن المسألة ترتبط بإحساس المواطن وما يقتنيه، وأن الإشكالية ليست في نسبة التضخم بل في المنحى التصاعدي الذي شهدته الأسعار منذ أشهر وهي نتيجة تراكمات. لكنه في المقابل اعتبر أن استقرار نسبة التضخم وتراجعها هو مؤشر إيجابي عموما. ولاحظ أن نوعية التضخم الذي نعيشه يعود في نسبة هامة منه إلى تراجع قيمة الدينار التونسي. حيث تراجع الدينار التونسي مقارنة مع الأورو والدولار بنسبة تقدر بين 14 و13 بالمائة إلى حدود أكتوبر 2018. كما تعود نسبة التضخم إلى ارتفاع في توريد المواد الاستهلاكية بحوالي 14 بالمائة، وارتفاع توريد المواد الغذائية بحوالي 20 بالمائة، وبالتالي فإن ارتفاع نسبة التضخم تعود في جزء كبير منها إلى ارتفاع في نسبة قيمة التوريد. واعتبر بالجازية أن مواجهة التضخم يمكن أن تتم بآليات متنوعة منها تشجيع المنتوج المحلي الوطني وبيع كل ما هو تونسي. ولاحظ من خلال دراسة أعدها المعهد الوطني للاستهلاك أن 70 بالمائة من التونسيين يفضلون المنتوج الأجنبي. فيما يعرف 9 بالمائة فقط من المستهلكين الترقيم الوطني وعلامة الصنع التونسي. ومن الآليات الأخرى لمجابهة ارتفاع الأسعار يقترح محدثنا الضغط على الواردات، والاكتفاء بتوريد المواد التي ليس لها مقابل في الإنتاج الوطني. ولاحظ مثلا أنه يمكن التحكم في توريد السكر والمواد الكحولية وعدد من أنواع النسيج. ويمكن اتخاذ مثل هذه الإجراءات إلى حين أن يستعيد الدينار عافيته. قال إنه ورغم ما توقعه الخبراء من أن تراجع قيمة الدينار قد تخدم تصدير المنتجات التونسية وقدرتها التنافسية في الخارج، فإن هذا التراجع لم يؤثر إيجابيا في التصدير إيجابيا، كما لم تتم عملية التحكم في التوريد كما يجب، من خلال دعم مدخلات الانتاج على المستوى الوطني. كما يرتبط الوضع الاقتصادي عموما بارتفاع الأسعار وتراجع الإنتاجية. غلاء وسلوكيات يبدو أن ارتفاع الأسعار يعود في جزء منه إلى تغيير النمط الاستهلاكي للتونسي ، وهو ما أشار إليه مدير المعهد الوطني للاستهلاك، الذي لاحظ لجوءا متزايدا لعدد كبير من التونسيين إلى المدارس الخاصة، لتدريس أبنائهم، إضافة إلى الاعتماد أكثر على الخدمات الصحية الخاصة لا العمومية. والأسباب متعددة. وتشير دراسات المعهد الوطني للاستهلاك في دراساتها التي تتضمن مؤشر تضخم الاسعار حسب قفة المواطن، إلى ارتفاع المؤشر، لا سيما في مقارنة مع بحث استهلاك الاسر لسنة 2010. وكان آخر مسح سنة 2015 ولا بد من تحيين المعطيات من جديد. ورغم هذا الارتفاع يعتبر بالجازية أن تضخم كلفة المعيشة هو «إحساس» قد لا يعكس واقع الأسر. هي مسألة نسبية تختلف حسب الأسر وحسب الجهات. لكنه في المقابل لم ينف أن أية زيادة مثل ما حدث في البيض أو الحليب قد تؤثر في المقدرة الشرائية التي يتم قياسها من خلال تطور الاسعار مقارنة بالأجر. وأضاف: «لكن لا ننسى أن تطور المقدرة الشرائية يقترن أيضا بالإنتاجية. فلا يمكن الرفع في الأجور دون نمو في الإنتاجية. فالزيادة دون تسجيل نمو في الإنتاجية قد تؤدي إلى ارتفاع في نسبة التضخم. ونلاحظ أن اليد العاملة مساهمتها سلبية في النمو الاقتصادي منذ سنوات». كما فسر تراجع المقدرة الشرائية بتغير النمط الاستهلاكي للتونسي الذي أصبح يتجه نحو الاستهلاك في القطاع الخاص. فقد تغير نمط الاستهلاك أمام ضعف أداء بعض السياسات القطاعية العمومية، وهروبا من المشاكل من القطاع التربوي العمومي. ومن سلبيات خدمات الصحة العمومية وهو له تكلفة. وانعكس ارتفاع المعيشة على نسبة التداين التي شهدت ارتفاعا بحوالي 117 بالمائة في قائم القروض. كما نجد أن 36 بالمائة من الاسر التونسية لديها قرض. وهناك فردان من الأسرة على الأقل في10 بالمائة من الأسر لديهم قرض بنكي أو يقومون بتسديد دين. كما تسبب ارتفاع الأسعار في الرجوع بقوة إلى التداين بأشكاله ومنه العودة بقوة إلى «كنش كريدي العطار» وحتى التداين من الصيدليات، إضافة إلى التداين من أفراد الأسرة. وأمام جملة الصعوبات التي تشهدها البلاد في سنة وصفتها التقارير الدولية بالصعبة، فإن الأصعب آت حيث يبشر الخبراء إلى أن سنة 2019 ستكون أصعب لا سيما مع توقع صندوق النقد الدولي وصول نسبة التضخم 7.8 بالمائة واستقرار نسبة المديونية للخارج في حدود 7 بالمائة. 102 ترتيب تونس في الأجور من بين 105 دول وهو يضعها ضمن الدول الأدنى أجرا. 36 و40 ٪ من الأسر التونسية لها قرض 10 ٪ من الأسر لديها فردان على الأقل لديهما دين أو قرض بنكي 117 ٪ ارتفاع في قائم القروض عند التونسيين 7.4 ٪ نسبة التضخم 70 ٪ نسبة مديونية تونس للخارج