تونس الشروق: شكل قرار رئيس بلدية المرسى المتعلق بوضع أختام «تشميع» على عقار في طور النشاط أول حادثة اصطدام بين المجالس البلدية الجديدة ومفهوم دولة القانون. بل إن كل التفاعلات التي نشأت عن هذه الحادثة قفزت على جوهر القضية وهو الإخلالات الإجرائية والقانونية التي وسمت قرار رئيس بلدية المرسى وأدخلته من ثمة في خانة «تجاوز السلطة» التي تسمح بالاعتراض لدى القضاء الإداري كما أدت بشكل آلي إلى ارباك التسلسل الوظيفي للسلطة Blocage du système. بمعنى آخر استند قرار رئيس بلدية المرسى القاضي بتشميع العقار الواقع في حي الصنوبر والمتألف من دهاليز وطابق أرض وآخر علوي ويشتمل على ثلاثة فضاءات مفتوحة للعموم إلى الفصل 80 من مجلة التهيئة الترابية والتعمير لسنة 1994 الذي يبيح اللجوء إلى هذا القرار عندما يكون البناء المخالف للتراتيب في طور التشييد وهو ما يتعارض بالتالي مع موضوع الحال. وفي هذا الاطار نص الفصل 80 على أنه «يتعين على رئيس البلدية والوالي أو الوزير المكلف بالتعمير أن يأذن بمقتضى قرار فوري بإيقاف الأشغال التي تنجز دون احترام رخصة البناء أو بحجز مواد البناء ومعدات الحضيرة أو يوضع الأختام عند الاقتضاء. وتبعا لذلك وقع قرار رئيس بلدية المرسى في خلل جوهري على خلفية أن البناية موضوع التشميع تجاوزت مرحلة الحضيرة فيما تجاوز الجوانب الاجرائية التي أقرها الفصل 80 والتي تنص على وجود اتخاذ قرار التشميع من قبل كل من رئيس البلدية والوالي. وهذه الاخلالات الجوهرية والشكلية هي التي نتجت عنها استحالة التنفيذ لجهة أن جهاز الشرطة البلدية عقب بذات الفصل الذي يلزمه بوضع الأختام على حضيرة أشغال وليس بناية مكتملة البناء وبعض أجزائها مفتوحة للعموم. وبهذه الاخلالات وقع قرار رئيس بلدية المرسى في مأزق كان نبه إليه ضمنيا منشور وزير الداخلية عدد 1993 الصادر سنة 2016 والذي نص على توحيد نماذج القرارات البلدية في مجال مخالفة تراتيب البناء قصد غلق إمكانية استصدار أحكام في تجاوز السلطة من القضاء الاداري من القرارات البلدية في هذا الشأن. وتبعا لذلك قام صاحب البناية بالتظلم لدى والي تونس عملا بأحكام الفصل 277 من المجلة الجديدة للجماعات المحلية الذي ينص على أنه «للوالي بطلب منه أو ممن له المصلحة الاعتراض على القرارات التي اتخذتها البلدية» وذلك استنادا للإخلالات الجوهرية والشكلية التي رافقت قرار رئيس بلدية المرسى وتوقعه في خانة تجاوز السلطة. كما أثارت عريضة المعني بالأمر خللا شكليا آخر مفاده أن القرار البلدية صدر من شخص واحد والحال ان البناية موضوع قرار التشميع مملوكة لشريكين اثنين. ومن هذا المنطلق قام والي تونس بتفصيل الفصل 278 من مجلة الجماعات المحلية عبر إيداع عريضة دعوى في تجاوز السلطة لدى المحكمة الادارية الابتدائية بتونس يوم 19 أكتوبر الحالي بالتوازي مع ابلاغ رئيس بلدية المرسى نسخة من عريضة الدعوى في الآجال التي حددها هذا المشرع. ويذكر في هذا الصدد أن الفصل 278 أكد أن الأحكام الواردة فيه «تحول دون إمكانية لجوء أي شخص طبيعي أو معنوي بصفة مباشرة لدى المحكمة الادارية الابتدائية قصد الطعن في القرارات البلدية التي أحدثت له أثرا» وهو ما يعني أن المشرع يمنح المواطن حق استصدار قرار في تجاوز السلطة إما عبر اللجوء المباشر للقضاء الاداري أو التظلم لدى الوالي الذي يحل محله في هذه الحالة كما يخول له ذات الفصل (278) طلب توقيف القرار البلدي . وهو ما ينطبق على موضوع الحال حيث أن البناية موضوع قرار «التشميع» تشغل منذ مدة في ممارسة أنشطة تجارية مفتوحة للعموم كما أن أجزاء من البناية هي موضوع عقود كراء يعود البعض منها إلى سنة 2014. البلديات الجديدة والقانون؟ بالنتيجة وقع قرار رئيس بلدية المرسى في اخلالات جوهرية وشكلية جعلته عرضة للطعن من قبل صاحب البناية كما ولدت «استحالة» تنفيذ بفعل الاختلاف البيّن بين حالة البناية والمقرر البلدي وهو ما يفتح الباب أمام نقطة استفهام كبرى حول مدى تشبع المجالس البلدية المنتخبة بالأدوات التي تؤمن انصهارها في مفهوم دولة القانون والمؤسسات.