لا شك أن طلب الرزق والسعي لتحصيل المال بطرق مشروعة أمر محمود ومأمور به شرعا والتجارة من أفضل الكسب ومن أجل الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى ربّه إذا ابتغى بها وجه الله تعالى وكسب قوته وقوت عياله بالحلال. فمن كان صادقا أمينا في تجارته هدفه التيسير على الناس والرضا بالربح القليل بارك الله له في تجارته ووسع عليه سبل رزقه.إن للكسب طرقا مشروعة أحلها الله تعالى وطرقا أخرى غير مشروعة حرّمها الله وإن من أقبح أنواع الكسب غير المشروع الاحتكار الذي يعني جمع أقوات الناس وحاجياتهم الضرورية وتخزينها انتظارا للغلاء وطلبا للثراء وابتزازا لأموالهم.والحقيقة لا يكون الاحتكار إلا ممن فسد طبعه وساء خلقه وهو ممقوت من الله مذموم من الناس وعلة ذمه ومقته إضراره بخلق الله والتضييق عليهم في أمر معيشتهم والتاجر المحتكر الجشع الذي لا هدف له إلا جمع أكبر قدر من المال يعمد إلى استغلال حاجات الناس واحتكار السلع ورفع أسعارها هذا تاجر لا يبارك الله له في تجارته ولا في أهله وماله بالإضافة إلى شقائه النفسي وقلقه الروحي فلا تراه إلا متبرما ساخطا عابسا وكأنه جمع هموم الدنيا بأكملها لا يهدأ له بال إلا باستحواذه بمفرده على السلع ليرفع أسعارها بمقدار شرهه وطمعه ترضية لرغبته الجامحة في جمع الأموال واستغلال الناس مما يؤدي إلى سخط وغضب المولى عز وجل. فالمحتكر غير قانع بما قسمه الله له فهو ضعيف في عقيدته وإيمانه غير واثق برزق ربه ولذا فقد استحق الطرد من رحمة الله تعالى يوم القيامة لأنه لم يرحم عباد الله في الدنيا. قال النبي صلى الله عليه وسلم ( الجالب مرزوق والمحتكر ملعون) وقال: (من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد بريء من الله تعالى وبريء الله منه وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعا فقد برئت منهم ذمة الله تعالى )وظاهر هذا الحديث الشريف وغيره تحريم الاحتكار للطعام وغيره ولكن لا يظن أن الاحتكار ينحصر في الطعام دون غيره ولكنه يشمل كل ما يحتاجه الناس من طعام ودواء ولباس وغير ذلك وبالمقابل فإن الإسلام قد مدح التجار الأبرار ووعدهم بالمنزلة الرفيعة في الجنة. قال عليه الصلاة والسلام (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء ). وأنعِم بهؤلاء التجار الأبرار الذين يحشرون مع أنبياء الله والصديقين والشهداء وأنْعِم بمنزلتهم التي استحقوها ذلك أنهم لا يسمحون لأنفسهم بزيادة أموالهم عن طريق استغلا ل حاجات الناس إنهم لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا وأي فساد أعظم من احتكار أقوات الناس والتلاعب بها .قال الله سبحانه وتعالى (وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ) ( هود:85). إن مقاومة ظاهرة الاحتكار ليست مقصورة على أعوان المراقبة الاقتصادية فقط بل يتعدى إلى كل أفراد المجتمع للتعاون مع أجهزة الدولة في محاربة هذه الظاهرة السلبية عن طريق مقاطعة المحتكرين والامتناع عن الشراء منهم .اشتكى أناس للإمام الشافعي من غلاء اللحوم فقال لهم: اتركوه تُرخصوه فقاطع الناس اللحوم فكسدت سوقها فاضطر التجار إلى إرخاصها.