تتواصل منذ أيام حرب البيانات ما بين حركة النهضة وشريكها السابق في التوافق نداء تونس، الحرب تسير وفق نسق تصاعدي في التصعيد فما الغاية منها وما هي تداعياتها المفترضة؟. تونس الشروق: «أصدر حزب نداء تونس الأحد بيانًا مفاجئا اتهم فيه حركة النهضة بالتدخل في علاقات تونس الخارجية بالإرباك والإضرار...». بهذه العبارات قدمت حركة النهضة لبلاغها الإعلامي الذي أصدرته مؤخرا ردا على بيان سابق صادر عن حركة نداء تونس. لكن النداء لم يتهم النهضة فقط بالتدخل في علاقات تونس الخارجية بل وجه لها كيلا من الاتهامات لعل أهمها أن «هذه الحركة لم تبتعد عن طبيعتها غير المدنيّة ومحاولاتها وضع يدها على مفاصل الدولة والسعي إلى تغيير إرادة الناخبين عبر فرضها شروط التحوير الوزاري المقبل». النداء والنهضة مازالا شريكين في الحكومة ومن المفترض أن تكون هناك مواصلة لنقاشاتهما السابقة ولقاءاتهما المباشرة وبياناتهما المشتركة لما فيه خيرهما والحكومة والوطن لكنهما استعاضا عن هذا كله بمواجهات اعتمادا على البيانات فلماذا هذا التحول؟. حرب وجودية يلتقي الطرفان في المعاناة وإن اختلفت أسبابها ومظاهرها وتداعياتها المحتملة بين هذا الطرف وذاك. فحركة النهضة مهددة في وجودها وهي مطالبة بتعبئة أتباعها من جهة والاحتماء بأي شريك قوي من أخرى وطمأنة خصومها من جهة ثالثة، وإذا خسرت معركة واحدة من الجبهات الثلاث فإنها تخسر الحرب كلها وقد تندثر. في الآن ذاته يخوض النداء بدوره حربا وجودية بوسائل مختلفة فهو مطالب باستعادة أبنائه المستقيلين وأتباعه الغاضبين وحلفائه الممتعضين وإذا فشل في معركة واحدة فإنه قد يصبح مجرد ذكرى لحزب حالفه الفوز في آخر انتخابات تشريعية وتسيد المشهد البرلماني في بداية دورته النيابية الحالية. كان بإمكان كل طرف أن يخوض معاركه بعيدا عن حدود الثاني بل كان بإمكانهما أن يوحّدا جهودهما فيخوضا معا حربا وجودية واحدة تضمن بقاءهما لاسيما وقد أمضيا 4 سنوات من التوافق والتنسيق الحزبي والبرلماني لكنهما لم يوحّدا جهودهما ولم يحترما المنطقة العازلة بينهما بل أصبحا في مواجهة مباشرة فما السبب؟. استعادة الرصيد لم يكن التوافق بين النداء والنهضة توافقا بين صديقين أو حليفين بل كان توافقا تشاركيا ومصلحيا بين خصمين لدودين، لا ننسى أن كل واحد منهما استفاد في الانتخابات التشريعية الماضية من عدائه للآخر إذا هب البعض لنصرة النهضة حتى تتصدى لمشروع يهدف إلى إعادة «المنظومة القديمة»، فيما مال البعض الآخر لحزب النداء حتى يتصدى ل"مشروع النهضة غير الحداثي وغير المدني". هذا التوافق أفقد الطرفين نسبة مهمة من رصيديهما الانتخابي بدا واضحا في الانتخابات البلدية الماضية فكان لا بد من البدء باستعادة الرصيد تحسبا للانتخابات القادمة عبر طعن كل واحد منهما في شريكه. في مشهد سياسي بائس وعقيم لا يمكن لأي حزب حداثي أن يجلب الناخبين ببرنامج أو خطة إصلاحية طويلة الأمد ولا منوال تنموي مضمون النتائج بل بمعاداة حركة النهضة لا غير. في المقابل، تراكم الحركة عشريات عديدة من الخبرة وتضم الآلاف من الكفاءات لكنها لا تجد الوقت للتركيز حول برنامج متكامل لأن كل جهودها موجهة نحو ضمان البقاء لهذا تحشد أنصارها الراضين والغاضبين بكل وسيلة حتى إذا كانت مضرة بالآخرين. تأزم واحتقان لو لم يضعف حزب النداء لما تخلت عنه النهضة فهي تحتاج شريكا قويا تحتمي به وقد وجدت ضالتها في يوسف الشاهد ومشروعه الحزبي المحتمل في بحث مبرر عن مصلحتها، ولو لم يكن النداء مجبرا على استعادة قاعدته وحلفائه لإنقاذ نفسه لما فك ارتباطه بالحركة. هي حرب من أجل البقاء يمكن فيها للضرورات أن تبيح المحظورات ويمكن فيها للفرد أن يضحي بجزء من جسده من أجل نجاته فما بالك بمن يجد الحل في مخاصمة شريك أوجبته مصلحة منتهية الصلوحية. المشكل الأول في هذا كله أن تبادل الاتهامات بين الحزبين القويين يزيد المشهد السياسي تأزما ويزيد الواقع الاجتماعي احتقانا ويزيد الجانب الاقتصادي ركودا… أما المشكل الثاني فيتمثل في فرض حرب البيانات على الأنصار، بالأمس اجتمع شيخا القبيلتين سرا وفرضا توافقها على أتباعهما في ما يشبه الخيانة الانتخابية، واليوم يختاران المواجهة عبر بيانات طاحنة أن يشرّكا الأنصار أو يستفتيانهم، وغدا قد يعودان إلى توافقهما مراعاة للضرورة والمصلحة المشتركة… على العالم أن يستأنس بالتجربة التونسية في تدمير أعصاب الأنصار. بيان الخارجية؟ ما دخل النهضة في الأزمة السعودية؟ وما دخل النداء في تدخل النهضة؟ هذا ما يلاحظه كل متابع لحرب البيانات الأخيرة بين الطرفين، فالنهضة حشرت أنفها في موضوع خاشقجي لاعبة على الوتر الحساس الذي يدغدغ مشاعر أنصارها ويزيدهم كرها للسعودية وحبا في الحليف الاستراتيجي تركيا أردوغان. أما نداء تونس فقد نصب نفسه مسؤولا دون غيره عن مصلحة البلاد وناطقا رسميا باسم وزارة الخارجية حتى أنه استبق بيانها ببيان لا يختلف عنه إلا بقسوة العبارات وخطورة الاتهامات الموجهة إلى النهضة. كان بإمكان النهضة ألا تتعرض مطلقا لقضية خاشقجي وكان بإمكان النداء ألا يهتم بتعرضها وكان بإمكانها مرة أخرى أن تترفع عن الرد عليه… ولكنها الحرب التي يبحث فيها كل طرف عما ينفعه. قالوا عن خصومهم «بيان الديوان السياسي لنداء تونس بيان النداء الذي لا نعرفه، ونبهنا إلى أن كل المحاولات لإقصاء النهضة وعزلها فشلت وأصحابها خسروا الانتخابات…» (رئيس مجلس شورى حركة النهضة السيد عبد الكريم الهاروني من مداخلة له على أمواج الاذاعة الوطنية الاثنين الماضي). «حركة النهضة تُسيطر على كل مفاصل الدولة… ورئيس الحكومة يوسف الشاهد تحوّل إلى أداة في يدها… الشاهد ولدنا وكتلة النداء ساندته ودعمته في تمرير عدة قوانين لكنه أصبح أداة في يد النهضة…». (رئيس كتلة حركة نداء تونس في البرلمان سفيان طوبال، من مداخلة له على أمواج «شمس آف آم» أول أمس الاثنين).