تشاء أحكام الجغرافيا ومجريات التاريخ أن تجعل من علاقتنا مع أوروبا، علاقة استراتيجية يتداخل فيها المصير وذلك منذ عدة قرون. ولا شك ان تونس تجتاز اليوم مرحلة صعبة ودقيقة في تاريخها تستوجب بكل تأكيد أن تقيم ما الذي فعلته أوروبا لتونس خاصة منذ منعرج أحداث 2011. والقمة الأخيرة التي حضرها رئيس الجمهورية في ألمانيا تعتبر مناسبة مهمة كي نعيد تقييم هذه الالتزامات فقد ارتفعت توقعات التونسيين من أوروبا التي دعمت ثورة 14 جانفي لكن بعد ثماني سنوات من جانفي 2011 لم تكن الحصيلة في مستوى التطلعات. إذ سبق «لقادة العالم» الحرّ أن احتفوا بتونس بينما وقفت برلماناتهم تقديرا وتصفيقا لثورتها ولكن هذا التقدير بقي في البيانات والتصريحات ولم يتحول إلى دعم ملموس ولم يفض إلى تخليص تونس من ديونها الكريهة كما لم يقع أيضا دعم اقتصادها خارج شروط السوق التي أنهكتها. بينما ازدادت في المقابل تبعية تونس على المستوى الاقتصادي وازداد اقتصادها تدهورا وهشاشة. ولكن ما يعتبر أمرا مستحدثا في قمة العشرين وافريقيا التي احتضنتها برلين يتمثل في أن ألمانيا قد باتت لاعبا جديدا في الفضاء الافريقي هو لاعب لا يجر وراءه إرثا استعماريا يؤثر من الناحية النفسية في العلاقة مع شعوب القارة علاوة على أنه يعرف تطورا كبيرا من الناحية التكنولوجية ويحرص على أن تؤطّر علاقاته بأخلاقية لها ضوابطها.. وهذا ما يمثل عامل دفع مهم خاصة بالنسبة إلى تونس ذلك ان بلادنا تعتبر أحد أهم جسرين بين افريقيا وأوروبا علاوة على ان بلادنا تحظى بسمعة إيجابية لدى الرأي العام الدولي لأنها تحمل من خلال الثورة التي أنجزتها تطلّع الانسانية إلى عالم أكثر عدلا وديمقراطية.. ولا شك ان إصرار الجانب الألماني على ربط المساعدة التنموية بالشفافية يمثل بكل تأكيد حافزا إضافيا على دعم العلاقات مع ألمانيا.. وهو رهان من رهانات المستقبل التي يتعين الحرص على تطويرها لأنها تمنح تونس إمكانية تنويع علاقاتها بالكيفية التي تطمح اليها بدعم قدرتها على الاختيار وبالتالي الحفاظ على استقلالية قرارها.