«لقشة من الدنيا» هو العنوان الذي اختاره نصرالدين السهيلي لشريطه الجديد الذي عرضه مساء أمس في إطار المسابقة الرسمية لأيٌام قرطاج السينمائية. تونس - الشروق عمل سينمائي لا يمكن تصنيفه، خارج التصنيف كما عاش نصرالدين السهيلي دائما في المشهد السينمائي انٌه شريط لا يشبه إلا حياة رزوقة وفانتا والناقة الذين يعيشون بيننا لكنٌهم في قبو الحياة ومتاهاتها تشغلنا الحياة اليومية بما فيها من كذب وزيف ونفاق عن رؤيتهم أو التفكير في حياتهم بل تنحاز النظرة لهم الى «الإدانة» و«التحقير» و«العطف». احتاج السهيلي لتصوير هذا الشريط لفترة طويلة اقترب فيها من حياة لطفي (فانتا) وصديقه (رزوقة) وصديقهما (الناقة)منح السهيلي الحرية للكاميرا لتعيش مع لطفي ورزوقة في «خربة» في باب منارة هي في الأصل حمام تهدّم ولم تبق منه إلا بعض الجدران الخربة لتكون ما يشبه القبو الذي تنعدم فيه أبسط شروط الكرامة الانسانية. في هذا القبو يعيش فانتا المدمن على المخدرات، يزوره صديقه رزوقة الذي يسميه حينا بابا وأحيانا حبيبي وفي مشهد آخر حين انتقالهما الى قربص يتخيل مشهد فرح على إيقاع طبول عرس تأتي من بيت مجاور في مشهد تلقائي يرقص فيه فانتا الحزين حالما بالزواج، تتداعى حكايات رزوقة عن المخدرات والأدمان الذي تخلص منه محاولا انقاذ صديقه فانتا الذي يحمله الى طبيب ومختص اجتماعي ويهديهما هذا الطبيب مع صديقهم الثالث اقامة في قربص لمعالجة الادمان بعد أن تبيٌن أن فانتا والناقة مصابان بالوباء الكبدي. يفشل فانتا في التخلص من الإدمان بعد عودته الى القبو ويحتد الخلاف مع صديقه رزوقة ويفترقان على إيقاع المطر الشتوي في حي باب الجديد ويغادر فانتا القبو مواجها مصيره بعد أن «يبول» على بقايا الجدران في مشهد يحيل على اللامعنى ولا جدوى الحياة! حياة القاع يحفل الشريط بمشاهد تعنيف رزوقة لفانتا بسبب اصراره على الادمان كما يحفل بقاموس من الشتائم التي لا تغيب عن الشارع التونسي كما يحفل بمشاهد الحنان والصداقة والحب مثل مشهد الحمٌام عندما يرافق رزوقة صديقه للحمام لتنظيفه كما يرافقه الى الطبيب من أجل مساعدته على التخلّص من الادمان. في كل هذا لم يتدخّل السهيلي لا في الحوار ولا في توجيه شخصياته التي تعيش بيننا في قاع المجتمع ولا نريد أن نراها ورغم أن السهيلي لم يقدٌم لا نصائح ولا مواعظ إلا أن من يشاهد هذا الشريط الموجع يقف على معاناة المصابين بالادمان في مشهد فانتا وهو يبكي متأوها بعد أن فشل في التخلّص من الادمان قائلا «جيت نجرّب حصلت» نعم كثيرون خسروا حياتهم وشبابهم وعملهم بسبب الرغبة في الاكتشاف ليتحولوا الى ضحايا للإدمان ! شريط موجع يحتاج الى الكثير من الشجاعة لمشاهدته وهو إدانة ضمنية لما يعرف بالثورة التي لم تغير من حياة التونسيين شيئا بل زادتها قتامة وهو ما يلخّصه الشريط في مشهد فانتا وهو يجلس في باب الجديد متسوّلا عطف العابرين جنب جدران كتبت عليها شعارات ثورة الحرية والكرامة! مرة أخرى يؤكد السهيلي أنٌه سينمائي خارج السٌرب ومؤرخ الهامش.