بالاقتراب من انتخابات 2019 يحتدم الصراع السياسي بين الخصوم والفرقاء متخذا أشكالا تصعيدية عدة، فمن المسؤول عنها وما هي انعكاساتها على المشهد السياسي؟ تونس(الشروق) وبشكل عام تدخل سائر الديمقراطيات في العالم في السياق الانتخابي قبل موعد اجرائها بسنة أو سنة ونصف، ولا يبدو الوضع المحلي مختلفا سوى في بعض التفاصيل ذات الخصوصية التونسية والتي حوّلت التنافس السياسي الى صراع ملفات وتهديدات بتحريك الشارع فمن المسؤول عن هذا التصعيد ؟ ويشدد الناشط السياسي والمدني رفيق نور بن الكيلاني على أمل التونسيين وسائر مكونات المجتمع المدني الوطنية في ان يكون جوهر الصراع السياسي السابق للاستحقاقات الانتخابية منسحبا على الرهانات الوطنية الكبرى في علاقة بالتوازنات المالية للبلاد وملفات الاستثمار والحد من منسوب الاحتقان الاجتماعي بدلا من الانغماس في الخصومات الايديولوجية من خلال التوظيف السياسي للملفات الامنية والقضائية. ويرى بن الكيلاني ان ماتشهده الساحة السياسية من تناول للمعطيات التي كشفت عنها هيئة الدفاع عن الشهيدين يبرز استفادة حركة النهضة منها لكسب التعاطف من خلال البروز في صورة الضحية منوها الى ان القضايا الكبرى المتعلقة بالشهداء والاغتيالات أرقى من استغلالها سياسيا سواء للضغط أو الاستفادة منها. وفي قراءته لماهية الصراع السياسي المتعاظم يشدد عضو المكتب السياسي لحركة النهضة عبد الله الخلفاوي على أن كل الحراك السياسي يدور في اطار انتخابات 2019 بعد ان حالت جملة الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية داخليا والمتغيرات الإقليمية خارجيا في الايفاء بالتزام التحوّل إلى المرحلة الدائمة. واعتبر الخلفاوي ان «شراسة» الصراع السياسي الدائر تبرز بوضوح أهمية الاستحقاقات القادمة سيما وان الماسك بالحكم حينها سوف لن يكون ملزما بالترضيات السياسية وليس امامه سوى ضرورة تنفيذ الاصلاحات وحسم الملفات الحارقة اقتصاديا واجتماعيا مضيفا بان العوامل المباشرة في تأجيج هذا الصراع تكمن في غياب التوازن السياسي خاصة بعد الفوز المريح لحركة النهضة في الاستحقاق البلدي وكذلك الانهيار غير المسبوق لحزب نداء تونس بوصفه ركيزة هذا التوازن. ويرى الخلفاوي ان الصراع السياسي اساسا ينحصر حول من سيقود قاطرة هذا التوازن السياسي وعلى هذا النحو يعتقد في أن يكون تناول مايعرف بالجهاز السري لحركة النهضة وطرح مبادرة المساواة في الميراث وكذلك الحديث عن تحريك الشارع ضد الحكومة كلها محاولات يراد من خلالها ارباك النهضة لاختيار بديل آخر – غير الشاهد- يقود «معركة التوازن السياسي» مضيفا بأن هذه المحاولات ستفشل في رأيه على اعتبار ان مسألة التوازن السياسي محددة داخليا بعدد من القوى وكذلك خارجيا بجملة من المصالح التي يهمها كثيرا استقرار الوضع الداخلي. ومن جهته يشدد المحلل السياسي واستاذ التاريخ المعاصر عبد اللطيف الحناشي على عودة الفرز الايديولوجي الى المشهد السياسي مجددا وبنفس الشاكلة التي جرت قبيل انتخابات 2014 مردّه قرب الانتخابات التشريعية والرئاسية للعام القادم مضيفا ان لذلك تبعات تزيد من منسوب الاحتقان السياسي وتؤشر على ان «النخبة السياسية» ما تزال اسيرة المربع الايديولوجي بما يرجح تواتر التوترات في كل مرة مالم يتم حسمه بشكل قطعي. واعتبر الحناشي ان كل من النهضة وبقية القوى المتصارعة معها يتحملان معا مسؤولية هذا التأجيج على اعتبار ان الحركة ومن خلال الاصلاحات الفوقية التي اطلقتها في مؤتمرها الاخير لم تستطع بعد تغيير الرؤية الفكرية لجل قواعدها حيث تتطلب العملية وقتا كبيرا كما ان خصوم النهضة في رأيه يستغلون هذه النقطة ويوظفون ملفات امنية وقضائية لمحاصرتها والحال وأن هذه الملفات معهود النظر فيها الى القضاء ومالم يتم حسم مربع الصراع الايديولوجي فان التصعيد متواصل من كل الجوانب وينذر بالاسوإ. في المحصلة من شأن الصراعات ذات المنحى الايديولوجي ان تحقق استفادات ظرفية للاحزاب في مجالات الضغط والتعبئة والحشد لكنها في النهاية تبقى بعيدة كليا على تطلعات التونسيين في التناول الجاد والمسؤول للملفات الحارقة اقتصاديا واجتماعيا والتي ستكون نتائج انتخابات 2019 تاريخيا مفصليا في منعرجها.