هناك إقرار من غالبية النخبة والطيف السياسي بوقوع الحياة الوطنية في مطب مأزق حقيقي، مأزق تلخّصه حالة قلق عام تهزّ العائلات والأسر، وتعكسه بصورة جليَّة وواضحة حالة القطيعة بين أكثر من فاعل سياسي مهم والتحركات النقابيّة والاجتماعيّة الاحتجاجيّة والمطلبيّة ونُذر الصدام بين قطاعات من المجتمع وجهات حكوميّة، على رأسها قطاعا التعليم الثانوي والوظيفة العموميّة. المأزق حقيقة واقعة، وهذا لا اختلاف فيه، والمؤشرات كثيرة حول مخاوف فعليّة ممّا تُخفيه الأيام والأسابيع القليلة القادمة، بين نهاية سنة وبداية أخرى، الموسومة عادة في تاريخ تونس القريب بالغضب الشعبي والاحتجاجات والتحوّلات الكبرى والتي كان آخرها ثورة 17 ديسمبر 2010 - 14 جانفي 2011. وبات من شبه المؤكّد أنّ الخيبة التي تعيشها النخبة السياسيّة نتيجة عجزها عن إدارة جيّدة لشؤون الدولة والمجتمع، قد ألقت بظلال كثيفة على الحياة الوطنيّة وغذّت بشكل أو بآخر منابع الفتنة والتحريض والإشاعات المغرضة. والمتابع للحراك المجتمعي، في الواقع وفي العالم الافتراضي، يلحظ حجم انتشار الأخبار الكاذبة وأجندات الشحن والتجييش، والغريب أنّ حُكّامنا وأحزابنا وشخصياتنا الوطنية يقفون على الربوة بشكل يُثير الكثير من الشَّك والريبة، هل هم على وعي بما يدور في وعى المجتمع من تنام لمشاعر اليأس والإحباط والخوف من المستقبل؟ والغريب أيضا أنّ حديث الكواليس يؤكّد يوميا أنّ الكثير من السياسيّين يتهامسون سرا حول حقائق الواقع المفزعة والمخيفة دون إرادة لمواجهتها والبحث عن حلول عاجلة تطفئ نيران الأحقاد والفتن وتُعيد بارقة الأمل بالمستقبل الأفضل في النفوس: هل هو غياب لروح المسؤوليّة؟ هل هو فقدان لروح المبادرة الجادّة والمثمرة؟ هناك شيء مَا يُعيق كبار الفاعلين، وعلى رأسهم الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي ويوسف الشاهد ونور الدين الطبوبي ومحمّد الناصر، للتواصل في ما بينهم للمسك بالأزمة من «رأسها» وإيجاد المخارج الممكنة لإنقاذ الوضع في البلاد، ما ينقصهم هو القليل من الجرأة، الجرأة في مواجهة الواقع بجميع تناقضاته وسلبياته ومظاهره المتأزّمة وإحداث الصدمة اللازمة القادرة على حلحلة الوضع والذهاب به نحو قدر من الانسيابيّة وفكّ عقدة الصمت والخوف من المبادرة. الصدمة الإيجابية لأزمة للخروج من حالة الأزمة والعطالة وغياب الحلول لمشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية تتراكم كلّ يوم.