لا استقرار سياسيا دون استقرار اجتماعي والعكس صحيح، هذه المُسلمة تكاد تكون حقيقة ثابتة في ظل توسع الاختلافات واعادة انتاج مناخ شهدته البلاد قبيل انتخابات 2014 فهل يدفع هذا السياق الفرقاء السياسيين والاجتماعيين الى تجربة الحوار مجددا ؟ تونس- الشروق- : بالعودة 5 سنوات الى الوراء يكاد يكون الوضع العام للبلاد مشابها لما نعيشه اليوم في عدة محاور وعناصر سياسية واجتماعية، حيث كان منسوب الازمة السياسية عالي السقف بين الفرقاء السياسيين ويشقه اختلاف عميق بين السلطة المتمثلة في تحالف الترويكا والمعارضة يضاف اليه مناخ اجتماعي متوتر واضطراب أمني نتيجة تعاظم الارهاب ومناخات الفوضى وكل ذلك دفع الى اطلاق تجربة الحوار الوطني في اكتوبر 2013 والتي قادت الى انقاذ الانتقال الديمقراطي من منعرج السقوط الاخير. عود على بدء وبتغير الظروف بعد 5 سنوات ومرور البلاد بتحولات سياسية فارقة اهمها انتخاب عدد من المؤسسات الدائمة ظن الجميع أن مرحلة الأزمات السياسية الخانقة صارت من الماضي وأن المستقبل بيد منظومة الحكم لسنة 2014 لتحقيق النجاح الاقتصادي والاجتماعي، غير أن مانعيشه اليوم من مناكفات سياسية محمومة وتدهور كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والعودة القوية للحركات الاحتجاجية واستمرار التهديدات الارهابية يعود بنا جميعا الى النقطة الصفر، فهل من الممكن العودة الى الحوار من جديد كسبيل لانقاذ البلاد؟ وقد باءت مساعي الحوار في الفترة الاخيرة بفشل ذريع بعد اعلان تعليق وثيقة قرطاج 2 حيث من المفارقة أن تتفق الاطراف السياسية والاجتماعية على 63 نقطة تهم البرنامجين الاقتصادي و الاجتماعي و يقضي الاختلاف عن النقطة السياسية الاخيرة بتقويض كل المسار. دعوات للحوار وبرزت الدعوات الى الحوار مجددا في الفترة الأخيرة من قبل اطراف سياسية بعيدة عن الحكم من ذلك أقر وزير املاك الدولة والشؤون العقارية السابق مبروك كورشيد في تصريح صحفي مؤخرا بوجود أزمة سياسية تلوح معالمها بين قصري قرطاج والقصبة دافعا في سياق التفاف جل الفاعلين السياسيين حول صياغة تصورات تضع الحد مع جذور الازمة السياسية وذلك عبر اعادة النظر في نظام الحكم الذي يضعف صلاحيات المؤسسات بتشتيتها. ومن جانبها وصفت رئيسة حزب أمل تونس (الحركة الديمقراطية للاصلاح والبناء سابقا) آمنة منصور القروي أن الوضع السياسي الحالي متشابه الى حد كبير مع الاوضاع السياسية التي عرفتها البلاد سنة 2013 داعية كل الاطراف السياسية والاجتماعية الى العودة الى الحوار وصياغة المشتركات الدنيا التي تكفل على الاقل المرور إلى انتخابات 2019 في مناخات سياسية واجتماعية سليمة. وكشفت القروي أن حزبها يستعد لاطلاق مبادرة في الغرض تهدف الى صياغة خارطة طريق ملزمة تتضمن برنامجا قصير المدى يمكن الحكومة من تحقيق اهداف محددة و يكفل السلم الاجتماعي ويجعل كل الفرقاء السياسيين على نفس مسافة التنافس والتحضير للاستحقاقات الانتخابية القادمة في مناخات تُرفّع من منسوب الامل للتونسسين وتنزع الفتيل من أي تصادم محتمل. في المقابل تخلص القراءات السياسية الى دور الاختلاف الجذري بين ظروف تجربة الحوار الوطني سابقا واي محاولة محتملة لحوار قادم في نجاح التجربة من عدمها حيث ساند الحوار الوطني لسنة 2013 وجود معطيين رئيسيين لا نجد لهما من حضور اليوم وهما أولا افتقار البلاد لإطار تنظيمي ووجود تنازلات سياسية. فلما كانت الحاجة ماسة للمصادقة على الدستور منذ 5 سنوات كانت جل الحجج الموضوعية الداعمة لفكرة الحوار تصب في خانة انجاحه بينما يبدو الوضع اليوم مختلفا حيث أن هذا الدستور بات اليوم الاطار الامثل لفض الصراعات السياسية والمحتكم اليه في الخلافات الاخيرة حتى ان العديد من خبراء القانون الدستوري باتوا يصفون تجارب الحوار ومسارات وثيقة قرطاج 1 و 2 بالمسارات الموازية وغير الدستورية. كما أن الحوار عموما ليس بتجربة مسقطة تفرض على الفرقاء السياسين والاجتماعيين بل هي غاية تفرض وجود التنازلات من كل جانب وتسبقها حوارات تمهيدية وغيرها من التفاهمات التي تنمو بنمو وعي الفاعلين السياسيين بشكل خاص ، ولعل الدخول المبكر لجل الاطراف السياسية في سياق انتخابات 2019 سبب رئيسي في فقدان ثقافة التنازلات السياسية وتعاظم مناخات عدم ثقة الكل في الكل. في المحصلة يمكن لتجربة الحوار ان تلعب الدور مجددا في انقاذ البلاد غير أن الواقعية السياسية تفرض لتنفيذها جملة من الشروط اهمها الوعي السياسي ووجود قائد يحظى بثقة الجميع لاطلاق هذه المبادرة والأهم من ذلك كله اقتناع الجميع بثقافة التنازلات المتبادلة لانقاذ تونس و مسارها الانتقالي.