لم يكن الحوار الصحفي التلفزي لترامب، والذي وصف فيه مجدّدا الوضع في ليبيا والعراق بأنه كان سيكون أفضل لو أن صدّام حسين ومعمّر القذافي، كانا لا يزالان هنا. لم يكن هذا الحوار التلفزي مفصولا عن قرار الرئيس الأمريكي الأخير بسحب القوات العسكرية الأمريكية من سوريا! لقد كان منتظرا من دونالد ترامب، مثل هذه القرارات الدولية، قرارات من شأنها أن تجعله صاحب رؤية جديدة، فيها قطيعة مع السياسة الأمريكية الأخيرة، أي مدّة عشرين سنة مضت... الرئيس الأمريكي وهو يقول إن الوضع في الشرق الأوسط كان سيكون أكثر أمنا وأكثر وضوحا، بوجود صدّام حسين ومعمّر القذافي، بالتأكيد كان ينبئ بأنه يُشرّحُ الوضع الآن، وما آلت إليه وضعيات البلدان كانت بالأمس دولا بمؤسساتها، دول لها وضعيات الأعضاء في نادي المنتظم الأممي.. كما أن ترامب وفي الحوار المذكور، كان يجيب عن أسئلة الحيرة التي كان يطرحها الصحفي الأمريكي، بخصوص هذا الموقف الجديد للإدارة الأمريكية، كاشفا النّقاب عن أن سياسات أوباما وكلينتون، جعلت منطقة الشرق الأوسط تغرق في الدّماء، ومشدّدا كذلك بوضوح على أنّ حالة الفوضى والانهيار واللاّدولة، لا تخدم المصالح الأمريكية..! كان هذا الأمر منتظرا، لأن الرئيس الأمريكي يعي جيدا أن الانهيار وحالة الفوضى، لن تكون بأيّ حال من الأحوال خلاّقة لأمريكا.. وأن عنصر المفاجأة لم يكن سوى من نصيب محدودي الفعل السياسي... إن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا وإدلاءه (الرئيس الأمريكي) بالتصريح المذكور حول العراق وليبيا جعلا حلفاء واشنطن في حرج وفي صدمة وفي دهشة جماعية، منها فرنسا وتركيا وغيرها.. لقد طبق ترامب فعليا مقولة «تشرشل» رئيس الوزراء البريطاني زمن الحرب العالمية الثانية من أن في السياسة لا صداقات دائمة ولا عداوات دائمة، وحدها المصالح دائمة.. الرئيس الأمريكي ومن خلال قراراته هذه التي يبدو أنها فاجأت فاقدي العقل السياسي البراغماتي وفاقدي الألباب، عرّى من يعتبرون أنفسهم حلفاء لأمريكا. إذ جاءتهم صفعة ترامب، لتجعلهم يقفون على الحقيقة كما هي: هم ليسوا حلفاء لواشنطن. بل هم مجرّد عملاء وبيادق، أوهمتهم القوّة الامبريالية الأولى في العالم أنهم ارتقوا إلى مرتبة الحليف، في حين لم تتذكّر دول كبرى مثل فرنسا، كيف حصلت على حقّ «الفيتو» في مجلس الأمن الدولي، ولماذا ومن أجل خدمة من، وهي أي فرنسا، لم يكن لها باع في النّصر والانتصار في الحرب العالمية الثانية، كانت هذه البلدان وغيرها، ستقف على الواقع. واقع يبدو أن قوى مثل الصين وروسيا ما بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي، قد تفطّنتا إليه.. ترامب يصدع بالحقيقة ويصفع على اليمين وعلى اليسار، بلدانا، حفرت جُبّا للشعب العربي، فوقعت فيه (أي الجُبّ).. نعم، كانت الأوضاع لتكون أفضل لو أن العراق وليبيا وغيرها، بقيت على استقرارها، لأن «الأهزوجة» الكاذبة والقائلة إن ما حدث في البلدان العربية المذكورة كان من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان تجعلهم يلتفتون إلى «حليفهم» سيدهم ترامب وهو يردّ على هذه التعلّة: وأين هي الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلاد العربية المنهارة مؤسسات الدولة فيها؟ ترامب لم يفعل سوى التأشير على أن خراج الخراب، في الشرق الأوسط.. لا يعنيه.. ولا يعني بلاده.